محمود قاسم كاتب يمثل ظاهرة تستحق الاهتمام, فهو غزير الانتاج متعدد المواهب والعطاء, كما أنه صاحب بنك معلومات يعد نادرا من نوعه في العالم العربي, ومن هذا البنك أعد مجموعة كبيرة من الموسوعات السينمائية والأدبية التي خلقت عناوين مختلفة في المكتبة العربية..
- استطاع قاسم أن يقدم نفسه كروائي ومترجم, وكاتب أطفال, وباحث في الأدب والسينما, وكاتب درامي في الإذاعة, فنشر عشر روايات, وخمس وعشرين موسوعة سينمائية وأدبية وعشرين كتابا حول السينما المصرية, وأكثر من مسلسل اذاعي للكبار والصغار في الاذاعات المصرية والعربية, وله مسلسل تليفزيوني باسم مغامرات جلجل وفلفل, كما نشر أكثر من عشر الاف مقال في الصحف والمجلات العربية, وفاز بالعديد من الجوائز المصرية والعربية في مجال الكتابة للأطفال, والدراما الاذاعية, وبمناسبة عودته إلي كتابة الرواية التقينا بقاسم, فكان هذا الحوار:
> لماذا ابتعدت عن كتابة الرواية, ولماذا عدت إليها؟
منذ يومين كتب لي صديقي الكاتب محمد علاء الدين أن روايتي الأخيرة الركض فوق الماء, لو تمت إعادة كتابتها فانها ستكون من الأعمال التي ستعيش قرنا قادما, لكنني وجدت أن إعادة كتابة الرواية أمر عسير فلا شك أن الصديق وجد فيها شيئا, والرواية مثل بقية أعمالي لم تتم متابعتها لسبب خاص بي فأنا فاشل في تسويق ما أكتب, ليس فقط الروايات, وكتب الأطفال, ولكني فاشل في تقديم نفسي إلي الناس, وانا أعرف الكثيرين الذين يحرصون علي إهداء كتبهم للنقاد, ويقومون بمتابعتهم ويحضرون حفلات التوقيع, ويوجدون في الأنشطة الثقافية, لم أحضر دائما هذه الأنشطة, وهذا أمر مهم في كل الأوساط الثقافية في العالم, وهذا سبب في نجومية الكثيرين بالإضافة إلي الجودة.
كتبت روايتي السابقة حول موضوع بالغ الأهمية حول قصص واقعية في عالمنا الثقافي,, إنه موضوع كاتب الظل, ففي حياتنا المعاصرة كم من صحفيين كبار, وكتاب روايات, وسيناريوهات, وكتاب أطفال ينشرون أعمالا كتبها لهم آخرون, وكل أبطال هذه الرواية لهم ظل في الحياة, ونكاد نعرفهم, ينسبون كتابات الآخرين الي أنفسهم, يفوزون بالأضواء والمكاسب المادية والمعنوية وهم مستمرون, ويتجددون, كما أنهم منتشرون حولنا.
> كيف كانت البداية ؟
القراءة هي كل حياتي, وقد شغفت بالمعرفة في كافة المجالات الفنية والأدبية, عشقت العلم, وأحببت التجريب, وفي روايتي الأولي لماذا المنشورة عام1982 تحدثت عن الانسان المتراكب, فماذا يحدث لو أن الشخص الذي يمثلني اليوم قد التقي بالشخص الذي كنت عليه بالأمس, كل منهم مستقل, ومختلف عن الآخر, تري هل سيختلفان أم سيتفقان, وإلي أي حد سيكون الاتفاق والاختلاف, أما روايتي الثالثة الثروة فنشرت عام1983 في المجلس الأعلي للفنون والآداب عام1983, التي تأثرت بها برواية صحراء التتار للكاتب الايطالي دينو بوتزاتي, حيث اكتشفت ان أكثر الأشياء التي نمارسها في حياتنا هي الانتظار, وأن الانسان عبارة عن مجموعة متراكبة من الانتظار و, أما بقية أعمالي فهي بمنزلة استحضار تفاصيل قصص عاطفية تفتتت مع الزمن, وصار دور الروائي هو تسجيل الوقائع علي الورق مثلما حدث في زواية اوديسانا التي تحكي عن اودسيوس العصر الحديث العائد من حرب اكتوبر كي يواجه متاعب الحياة المدنية الصعبة فصار من العسير عليه أن يجد الزوجة, والشقة, والمال اللازم للعيش, هناك فرق واضح بين اودسيوس العائد من النصر في حرب طروادة واودسيوس في السبعينيات من القرن العشرين الذي وجد نفسه يعيش في القاهرة مدينة الغبارمن هذه الروايات: البديل ثم, وقائع سنوات الصبا, و زمن عبد الحليم حافظ, و أيام الشارلستون ثم فيما بعد: أفعال الحب. اما روايتي آخر أيام الاسكندرية فتتحدث ان الدول تنهار عندما يحكمها العواجيز لسنوات طويلة, وهذه الرواية منشورة في هيئة الكتاب في زمن حسني مبارك
> ماذا تقول عن التنوع في إبداعاتك؟
أنا كاتب, استخدم الكلمة لا غيرها, سواء في كتابة الرواية, أو المسرحية, أو الدراما الاذاعية. أو كتب الأطفال, والنقد والموسوعات, في كل واحدة منها تكون الكلمة هي السيد, وبشكل العام فإن الطفل الذي بداخلي هو الذي يكتب مايحب كتابته.
> ماذا عن الموسوعات؟
في عام1993 تطلعت إلي ارشيفي المعلوماتي الضخم, وإلي الملفات الكثيرة الخاصة بالأدب والسينما, وقررت تنزيل المعلومات في كتب معرفية, وفي هذا العام كان لدينا مثلا أكثر من ثلاثة ألاف فيلم, دون أن يكون لدينا كتاب مرجعي عن السينما, رغم وجود مؤسسة سينمائية ضخمة هي المركز القومي للسينما التي لم تقدم لي يد العون أبدا, ولم تساعدني, رغم أنه تم نهب تراثها, وعرقلت مسيرتي لبعض الوقت, هذه المؤسسة يجب نسفها تماما واعادة هيكلتها, وهي التي استفاد منها رؤساؤها بالسفر الدائم الي المهرجانات خارج مصر, والغريب أن المعلومات كانت بالغة الندرة لعمل بطاقات متكاملة عن الافلام, والدليل أن البطاقات المبتسرة لدي المركز القومي للسينما تثير الرثاء وهو المركز الذي لم يسع قط لتوسيع البيانات في توثيق بطاقات للأفلام, وطوال اكثر من22 عاما كان المجهول أكثر من المعلوم عن السينما, ورغم اليوتيوب فلاتزال المناطق المجهولة عن الأفلام كثيرة جدا, لذا فان كل الموسوعات التي قدمتها ناقصة, لن تكتمل أبدا في أي تاريخ قادم فالأفلام تحللت والوثائق سرقت, وتم تهريبها الي خارج مصر, ويكفينا العار الأكبر المتمثل في أن المصريين باعوا اصول افلامنا بثمن بخس, ونحن الآن نري أفلامنا تباع أصولها بين الدول ويتم نهشها أو ترميمها ونحن نتفرج.
> هل تخليت عن الاسكندرية في أعمالك الأخيرة؟
ربما, لأنني ببساطة اقيم بالقاهرة منذ أكثر من ثلاثين عاما, وصارت المدينة بالنسبة لي غريبة, رغم أن شقة الزوجية مازالت هناك بكل أثاثها و وليس لي أقارب أو أهل بالقاهرة, أنا اري الإسكندرية بمنظور مختلف, حتي بعد أن تغيرت, هي مدينة بلا طموح, لذا فإن ابناءها من الأدباء والفنانين يغادرونها الي العاصمة, أما من بقوا هناك فلم يغادر طموحهم محطة سيدي جابر كما قال الكاتب السيد حافظ الذي لمع عندما كان في الكويت, والقاهرة, لكنه عندما عاد إلي الاسكندرية انطفأت عنه بعض الأضواء, أدباء الاسكندرية من جيلي حبسوا أنفسهم في قصور الثقافة باعتبارها نافذتهم علي الحياة الثقافية, لم أكن قط من رواد قصور الثقافة وكانت تجربتي بالغة القصر والسوء, اكتشفت أنهم يستأذنون أشخاصا الجهل تاجهم, وضيقو الافق فحلمت دوما بالقاهرة المتسعة, وايضا بالعالم الخارجي وآفاقه الواسعة, لكنني لم أكف في الكتابة عن الاسكندرية كـ مكان ذكريات ومستودع للاشخاص الذين عاشوا في حياتي ابتداء من والدي, وأخي الأكبر محسن, وبيت ومدارس كرموز, ومحرم بك والشواطيء وقد تمثلت هذه الذكريات في روايتي وقائع سنوات الصبا التي سبقت في نشرها وكتابتها كل روايات الحنين عن الاسكندرية و وقد سببت لي المتاعب في المكان الذي ولدت به عندما نشرها لي الاستاذ محمد جبريل مسلسلة في جريدة المساء عام1989, وهي تدور في قاعات أشهر دور السينما في الاسكندرية من خلال ذكرياتنا عن الأفلام والبشر هذه الرواية صدرت في سوريا عام1995, وقد استكملت المسيرة في رواية زمن عبد الحليم حافظ عام1997 التي تدور حول ذكرياتنا السكندرية الوطنية والعاطفية من خلال اغنيات عبد الحليم حافظ و استكملت الجزء الثالث في رواية ايام الشارلستون عام1999 حول علاقتنا بالملابس والموضة, وعلاقتنا بالاساتذة في المدارس الذين تركوا أثرا في حيواتنا, أما روايتي آخر ايام الاسكندرية عام2001 فهي تدور في اطار تاريخي حول سبب غرق الاسكندرية في القرن الثالث الميلادي, وأوعزت سبب الإنهيار إلي شيخوخة الحكام.
فيما بعد سافرت الي أوروبا, الي عوالم أكثر اتساعا, ورأيت المدن النموذجية التي اتوق اليها, وبصراحة لقد تضاءلت المدينة بشدة أمام عيني, وفي وجداني, خاصة أنه ابتداء من السبعينيات, فقد صارت الإسكندرية مقلبا كبيرا للقمامة, وصار محيط المدينة ومداخلها أكبر مقالب للزبالة, وصرنا نشم روائح المخلفات, والبحيرة الراكدة بدلا من اليود الذي يميز المدينة ولهذه الأسباب غادرها المصطافون من ابنائها إلي أماكن أخري مثل العجمي ومرسي مطروح, والساحل الشمالي, لقد تغير كل شيء وبقي الاسم, أما من يمتدحون المدينة فهم الذين يتعاملون معها كمنتجع سياحي يقضون فيها اياما قليلة ويذهبون لكنهم لايطيقون الإقامة فيها أكثر من ذلك, ولتنظر الي مافعلته مكتبة الاسكندرية التي تعتمد في أغلب نشاطها علي القادمين من العاصمة, ولتذكر لجان المكتبة, وأصحاب الانشطة ورؤساء اللجان, أغلبهم من القاهرة, أما السكندريون ففي الصف الثاني, والموضوع يحتاج الي المزيد من الشرح والتفصيل.
> ألا تري أن هذا سوف يغضب السكندريين ؟
ليتهم يغضبون فتتغير حياة كل منهم بإيقاعها البطيء جدا, امامي نموذجان بالغا الأهمية: ابراهيم عبد المجيد, ومصطفي نصر, كل منهما مولود في نفس السنة, وقد كتبا عن الإسكندرية مرارا, وعن أيامها القديمة, اختار عبد المجيد الحضور الي القاهرة والتوظف فيها, والنشر في دور نشرها الكبري فصار عالميا, وتم اختيار روايته لاأحد ينام في الأسكندرية كواحدة من أعظم مائة رواية عالمية علي التاريخ, أما مصطفي نصر الذي تم التعاقد لعمل روايته جبل ناعسة فيلما في الثمانينيات, فإن المشروع توقف, وظل ينشر أعماله المتميزة ببطء, وقد رضي أن يكتب مقالات في أماكن لايقرؤها احد إلي أن أعادت الدار المصرية اللبنانية اكتشافه عام2015, وقيل إن أعماله الكاملة ستتم طباعتها, وبدا, كأنه يدخل دائرة الضوء التي يستحقها وهو علي مشارف السبعين.
الناس هناك اعتمدوا علي صحفيين في الصفحات الثقافية بالجرائد من أجل أن يكتبوا عنهم, وتنافسوا في هذا المحيط الضيق, ورحل الكثيرون منهم دون الحصول علي تقدير يستحقونه, ومنهم أحمد حميدة, وسعيد بكر.
> انت مهتم بالكتابة عن الفائزين بجائزة نوبل منذ أكثر من أربعين عاما, ما الحكاية؟
جائزة نوبل هي اقدم الجوائز في العالم منذ عام1901, ومنذ هذا التاريخ والعالم مهووس بالجوائز في مختلف المجالات وهناك أكثر من مائة ألف جائزة طوال القرن العشرين, لكن ليست هناك جائزة واحدة صارت لها نفس الأهمية, والخالدون الحقيقيون في تاريخ القرن العشرين وحتي الآن هم من حصلوا علي جائزة نوبل في كل المجالات, ومن المهم أن نقرأ كتاباتهم علي الأقل رغم أن الاختيارات ليست الأفضل في كل السنوات, وقد تابعت أسماء من فازوا بالجائزة طوال حياتي وقرأت أغلب اعمال هيمنجواي, وسارتر, و البيركامي, وبوريس باسترناك وجون شتاينبك, عندما بدأت الكتابة كنت اتابع الكتاب الذين يحصلون علي الجائزة, ومنهم الياس كانيتي, وماركيز, وترجمت رواية: آلهة الذباب لويليام جولدنج عن الفرنسية عقب فوزه بالجائزة عام1983, ونشرت في روايات الهلال عام1984, قبل أن التحق للعمل بالدار, وعندما صرت سكرتير تحرير لسلسة, كان أول شئ نفعله هو نشر رواية للكاتب الحاصل علي نوبل لم تترجم في السلسلة وفي فترة قياسية, هكذا فعلنا مع وول سوينكا, وكلود سيمون, وجونتر جراس, و الصيني جاو اكس جيان, والياباني اوي كينزابورو. وفي عام1996, أصدرت اول موسوعة للفائزين بجائزة نوبل لدي الناشر مدبولي, وقد صدرت مجددا مع اضافات لدي الناشر السكندري سلامة موسيعام2002, وفي عام2010 صدرت مجددا لدي مدبولي كاملة أي أنها تضم كل الفائزين في كل الفروع, ولا أزال أكتب عن الفائزين الجدد وأفخر أنني أول من كتب عن باتريك موديانو في جريدة المساء عام1980, أي وهو في بداياته, وقبل أن يفوز بالجائزة بأربع وثلاثين عاما, كما كتبت عنه وعن غيره في العديد من الصحف والمجلات قبل أن يفوزوا
> وماذا عن أعمالك المنشورة في عشرات من المجلات والصحف المصرية والعربية؟
فعلا. لقد كتبت أكثر من عشرة الاف مقال في صحف ومجلات عربية منذ العام1980, بدأتها في جريدة المساء, واستكملتها بمجلة العربي الكويتية, وكنت غزير الكتابة, والمتابعة, كان كل همي هو تقديم أعلام الأدب المعاصر إلي القارئ العربي ولا أعتقد أن مقالا واحدا لي الا ونشر, وفي بعض الاحيان كنت اعيد النشر كنوع من التذكرة, اهتممت في أول الأمر بأدباء العالم, ولعل هذا كان السبب الرئيسي في تعييني بمجلة الهلال, وبهذه المناسبة أرسل تحية إلي الاستاذ مكرم محمد أحمد, وأترحم علي روح الاستاذ مصطفي نبيل الذي تولي رئاسة التحرير لسنوات طويلة فقد عملت معه في أفضل سنوات حياتي, وفي نهاية القرن العشرين جمعت حوالي ستمائة مقال ونشرتها تحت اسم موسوعة أدباء نهاية القرن العشرين وهو كتاب نفد في فترة قياسية لدي الدار المصرية اللبنانية, وفي عام2013 استكملت العمل ونشرت موسوعة جديدة باسم موسوعة أدباء بداية القرن الحادي والعشرين نفدت أيضا في فترة قياسية, وتوجد لدي الآن موسوعة جديدة يمكن أن تستوعب أغلب الكتاب في العالم حتي بداية العام الجديد, وأبحث لها عن ناشر, وأتمني ان تتحمس لها ادارة النشر في مؤسسة الأهرام.
> يقال إنك رجل الموسوعات في مصر؟
لاأستطيع أن أستحوذ هذه التسمية لنفسي ما فعلته أن زرعت البذرة الأولي في موسوعات مهمة, مثل موسوعة الممثل في السينما العربية, وموسوعة الأغنية في السينما المصرية, وموسوعة أدباء العالم المعاصرين وموسوعة أدباء الأطفال, وموسوعة مجلات الأطفال في العالم العربي وموسوعة الجوائز الأدبية في العالم, وغيرها من الموسوعات. هذا هو دور المؤسسات الثقافية التي تدعم الاحتفاليات الثقافية, وأضطر كثيرا إلي طباعة هذه الأعمال علي نفقتي الخاصة, وقد صدر لي في نهاية العام المنصرم موسوعةالتخيل العلمي, واتمني أن تصدر موسوعة الأفلام العربية في العام الحالي وهي عمل بالغ الضخامة.
> لماذا تكتب للأطفال؟
ولماذا لا أكتب للأطفال, لقد انزعجت بشدة يوم أن اكتشفت أن طفولتي ضاعت مني, وأنها انصرمت دون أن تعود, وأنني صرت صبيا ثم شابا ووجدت أن الوسيلة الوحيدة لاستعادة الطفولة هي الكتابة للطفل الذي بداخلي وقد فاز أول كتاب لي في أدب الأطفال بجائزة الدولة التشجيعية, فدخلت عالم الكتابة بشكل مركز ومكثف وفزت بجوائز عديدة, كتبت واحدة من أهم مسرحيات الاطفال وهي زيزو موهوب زمانه, كما كتبت للاذاعة المصرية دراما الاطفال بدون توقف منذ اكثر من عشرين عاما, وقد اعترفت المخرجات اللائي عملت معهن أنني اكتب بشكل مختلف في مجال التخيل العلمي, وأنا لا أنظر إلي الأمس, ولكن ابطالي يعيشون الغد, ولعل الأندرويد الذي بين ايدينا هو صورة مماثلة للكمبيوتر الخارق الذي ابتدعته في سلسلة الغاز لشروق المنشورةعام1992, في عشرين رواية كما ان ابطالي يعيشون منذ سنوات في الفيس بوك والآي باد, وقد كتبت سيناريوهات ستربس للمجلات سبقت بها أفكار هوليوود بسنوات, مثلما فعلت في مسلسل من8 حلقات نشرت في مجلة ماجد عام1992 باسم صندوق المساكين وهي فكرة مشابهة للثلاثية السينمائية قصة لعبة لقد سبقتهم بأربع سنوات, ولأنني لأاتغني بما أنجز فإن أحدا لايعرف هذه المعلومات لكنه تاريخ يجب وضعه في اطاره الصحيح.
> ماذا تعني رحلة بيت الأدباء بالنسبة لك في سويسرا عام2001 ؟
كنا ستة ضيوف لبيت الأدباء من أنحاء متفرقة من العالم, الراحلة نعمات البحيري هي التي أرشدتني إلي الطريق, وهناك اختلطت بثقافات متعددة, وأكتشفت مع مرور الايام انهم يتعاملون معي علي إنني موسوعة متحركة, وساعتها بدأت انتبه الي نفسي, وعندما عدت الي القاهرة كتبت مقالا باسم: كنت في الفردوس, وأذكر أن كاتبا مشهورا ذهب الي هناك في العام التالي ولم يتآلف معهم, وكتب حين عودته كنت في الجحيم وحول علاقتي بالعالم في بيت الأدباء كتبت واحدة من أجمل رواياتي باسم أفعال الحب اتهمها البعض بأن بها الفاظا جريئة وانني اكتب سعيا الي الشهرة, ونشرت الطبعة الثانية منها في بيروت, وترجمت فصول منهاالي الفرنسية, وقد خان المترجم فهم مصطلح أفعال وقد اعجبت الكاتب الكبير بهاء طاهرحيت قرأها.
> هل المعرفة تعني السطحية ؟
هذا سؤال غريب, لاأعتقد انني أتعامل مع المعلوماتية من السطح فقد استوعبت الكثير من الثقافات العالمية علي مر التاريخ, وتأثرت كثيرا بالوجوديين, وحملت أفكارهم, واحتفظت بها في أعماقي, ولم أشأ الدخول في جدل مع الآخرين و تعلمت من اساتذة لي عدم الدخول في الجدل مع التافهين, والأقل معرفة, ولم يكن لدي الوقت لحضور ندوات ومناقشات فقد تصورت دوما أن هذه الأنشطة لن تضيف الي, ولم أكن قط رجلا يتعلق بوظيفة الا من أجل أن أعيش, وحياتي في الغالب هي مجموعة من الاستقالات, والابتعاد والهروب و كنت عضوا في مؤسسات ثقافية استقلت منها, وكان الكبار من حولنا يتبارون في شتم بعضهم بالأب والأم وكنت اتسلل هاربا من الاجتماعات ثم ارسل لهم استقالاتي, انه عالم ينخر فيه السوس.
> ماذا تعني السينما في حياتك؟
السينما والأدب هما الكيان نفسه في حياتي, انا قارئ ومشاهد معا, احب قراءة الرواية وايضا مشاهدتها سينمائيا, اقارن بينهما, واستمتع بذلك بقوة, وأري أن اجمل الأفلام هي المأخوذة عن نصوص أدبية مثل سبارتاكوس وبداية ونهاية, و الغريب, اعظم المخرجين هم من تخصصوا في عمل النصوص الأدبية ومنهم ستانلي كيوبريك, وكوبولا, وجون بورمان, وصلاح أبو سيف, وقد قدمت الكثير من الدراسات في هذا الشأن, وهي كتب أكثر أهمية من الموسوعات. الأدب اهم من السينما فرواية الغريب أكثر اهمية من الفيلم الذي قدمه فيسكونتي, ورواية الطبل الصفيح لجونتر جراس أكثر اتساعا من الفيلم الذي قدمه شولندورف,وثلاثية نجيب محفوظ لاتتسع لها السينما قط, وما شاهدناه عبر الشاشة مجرد قشور, الناس في الروايات لها موقف من الحياة, والسينما تعبر عن اراء الناس من خلال الحوار, وهو دائما أزعر.
> ما رأيك فيما تقدمه السينما اليوم؟
السينما المصرية تعيش في غرفة معتمة, لامنفذ منها, المتفرجون لديهم فيروس كبير والمنتجون يعملون بمنطق الجمهور عايز كده, والمنتج تاجر جشع يريد أن ينتج في المضمون, وأنا لن اسامح أبدا هؤلاء الذين صنعوا افلاما يمجدون البلطجية, وأصحاب الأسلحة البيضاء التي لها خطورة وقسوة الأسلحة النووية, بل أكثر, لقد افسدوا ذاكرتنا, وصار كل من محمد سعد منذ اللمبي, ومحمد رمضان منذ الألماني رموزا لطموحات الشباب, وراجع الايرادات.
> تخلو كتاباتك من السياسة ؟
أنا ارتعب من السياسة, هي نشاط بلا أمان, وقد رأيت التملق والكذب في عيون الكثيرين منذ أن سعوا إلي أن أنضم الي منظمة الشباب الاشتراكي عام1966, رأيت الطمع والكذب, والجهل في عيونهم, ورأيت الصدق والنقاء في الأدب فاخترته دون منافس, ورغم أن زملاء لي كثيرين صعدوا إلي مناصب سياسية فإنني احتفظت بنقائي, ورأيت كيف استعانت لجنة السياسات بأشخاص لاعلاقة لهم بأي ثقافة, وصاروا مسئولين عن مؤسسات ثقافية, وتحدثوا باسم الثقافة في الاحزاب, تألقوا أمام الكاميرات, وأصابتني الحسرة, وجلست أراقب الهرم المقلوب, والذي لايزال علي الحال نفسه, ولم أملك سوي أن اتباكي علي حال البلد وتقدمت باستقالات من جميع المؤسسات التي انتمي إليها, وجلست في بيتي خادما للثقافة, أكتب, استجمع أكبر بنك معلومات عربي.
دعني أحدثك عن هذا البنك حتي ولو لم تسألني, فقد كنت أتردد علي محال شراء المطبوعات القديمة في الأسكندرية منذ الستينيات, إنها الفترة التي رحل فيها الأجانب عن مصر وتركوا خلفهم مكتبات ضخمة اشتريت بعضها, وحرصت علي شراء كل ما بها من تراث و وبدأت في عمل ملفات ضخمة حول الادباء, والسينمائيين جميع أنشطتهم, والتشكيليين و وصارت لدي اكبر ملفات ثقافية يمتلكها شخص بمفرده, سعيت دوما إلي الاضافة اليها, وتكبيرها, وعندما تقدم بي العمر صارت جبالا من الورق المنظم جدا, لكنني لم أعد قادرا علي مواجهتها, كم اشتريت, ودفعت الاثمان, وعندما أردت اهداء هذا الكنز إلي مكتبة الأسكندرية مثلا أو الجامعة الأمريكية رأوا انها أوراق, وأرادوا أن يقوموا بتخزينها فقط, وأنا اتمني أن تكون مركز ابحاث مجانيا لامثيل له, وأخشي أن يتناثر. أما مسألة السياسة فإنني عانيت منها طويلا, ولن أدعي البطولة, فهذا ليس مكاني, رغم أنني شاركت في حرب أكتوبر, والسيناريو الوحيد الذي كتبته تحت عنوان الشهيد جري رفضه, مما جعلني لا أكرر التجربة.