تشهد ليبيا حالة انقسام بين فرقائها، مقابل ترحيب أميركي وغربي، بشأن الإحاطة التي قدمتها القائمة بأعمال بعثة الأمم المتحدة ستيفاني خوري أمام مجلس الأمن الدولي، التي تضمنت مبادرة سياسية شاملة لتجاوز الجمود السياسي، وإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المؤجلة.
ورحّب بيان مشترك، الثلاثاء، لسفارات فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا والولايات المتحدة، بإحاطة خوري، التي حددت فيها نهجها لدفع العملية السياسية في ليبيا إلى الأمام. وأعلن بيان سفارات الدول الخمس عن دعمها بقوة «للجهود الشاملة بقصد التوصل لاتفاق سياسي قادر على عكس مسار التفتت المؤسسي، وتوحيد الحكومة وعلى نطاق أوسع البلاد»، بالإضافة إلى «إنشاء مسار موثوق نحو انتخابات رئاسية وبرلمانية شاملة، حرة ونزيهة وشفافة، بما يتماشى مع التطلعات المشروعة للشعب الليبي، وبما يتوافق مع قرارات مجلس الأمن».
وأعربت السفارات الخمس عن استعدادها لبذل كل ما في وسعها لضمان نجاح هذه الجهود، وشجعت جميع أصحاب المصلحة الليبيين على الانخراط في عملية الأمم المتحدة «بحسن نية وبروح التسوية»، كما دعت جميع الأطراف المعنية إلى الامتناع عن أي مبادرات موازية وغير منسقة، قد تؤدي إلى تقويض الجهود، التي تقودها الأمم المتحدة، مجددة التزامها بالحفاظ على استقلال ليبيا وسيادتها وسلامة أراضيها.
بدوره، شدّد عضو المجلس الرئاسي، موسى الكوني، الذي رحّب بجهود البعثة الأممية ومقترحاتها، على ضرورة أن «يمتلك الليبيون إدارة المسار السياسي بدعم من الأمم المتحدة، وتشكيل فريق استشاري ليبي من خبراء مستقلين غير جدليين، لصياغة مقترحات، من شأنها معالجة القضايا السياسية والانتخابية المعلقة».
وركّزت مبادرة خوري على دعم الاستقرار، وتوحيد المؤسسات، وضمان الشمولية، مع تشكيل لجنة استشارية لمعالجة النقاط الخلافية في الإطار القانوني للانتخابات، تمهيداً لإنشاء حكومة واحدة لجميع الليبيين.
كما عبّرت خوري عن قلقها من استمرار الاشتباكات المسلحة في بعض المناطق، مما يهدد جهود تحقيق المصالحة الوطنية، مشدّدة على ضرورة التزام أي حكومة انتقالية جديدة بمبادئ واضحة وآجال زمنية محددة للوصول إلى الانتخابات.
في سياق ذلك، ناقش جيريمي برنت، القائم بأعمال السفارة الأميركية، مع عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب، الثلاثاء في القبة، ما وصفه بـ«الإعلانات المهمة للبعثة الأممية خلال اليومين الماضيين، الموجهة إلى الشعب الليبي ومجلس الأمن الدولي».
وأوضح بيان للسفارة الأميركية أن البعثة ستحتاج إلى دعم ليبي ودولي موحد لدفع العملية السياسية قدماً، وبناء التوافق اللازم لتحقيق حوكمة موحدة، ووضع خريطة طريق موثوقة تفضي إلى انتخابات وطنية ناجحة.
فيما اكتفى صالح بالتأكيد على «أهمية بذل كل الجهود لدعم مساعي البعثة الأممية، وتشكيل حكومة موحدة بمدد محددة لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، لكنه التزم الصمت حيال معلومات عن اعتزامه الاجتماع في المغرب لاحقاً مع خالد المشري، رئيس المجلس الأعلى للدولة».
في المقابل، عدّت مجموعة من أعضاء مجلس النواب أن إحاطة خوري «لم تحمل في طياتها سوى عبارات عامة، ومواقف مكررة لا تلبي الحد الأدنى من تطلعات الشعب»، وقالت إن البعثة الأممية «أثبتت بمواقفها المتخاذلة أنها باتت جزءاً من المشكلة لا وسيلة للحل».
وحمّل أربعة أعضاء من مجلس النواب، في بيان نشره الناطق باسمه، مساء الاثنين، البعثة الأممية والمجتمع الدولي: «المسؤولية القانونية والأخلاقية عن استمرار معاناة الشعب الليبي، وما يترتب على ذلك من تدهور في الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية». وعدوا استمرار البعثة في هذا النهج «تأجيجاً للأزمة، وإطالة لمعاناة الليبيين»، مشيرين إلى أن ما سمّوه بـ«الفشل المتكرر في أداء مهام البعثة يضع علامات استفهام كبرى حول مدى التزامها بمساعدة الليبيين في تجاوز أزمتهم، وبناء دولتهم على أسس السلام والاستقرار».
كما عبّر الأعضاء عن رفض مجلس النواب أي محاولة لفرض حلول مفصلة خارج إرادة الشعب الليبي، أو تجاوز ممثليه الشرعيين، وطالبوا بالكف عن التدخلات الدولية السلبية، واحترام سيادة الدولة الليبية، وحقها في تقرير مصيرها بعيداً عن الإملاءات الخارجية، ودعوا إلى وضع جدول زمني واضح ومحدد لإنجاز الاستحقاقات الوطنية، بما في ذلك الانتخابات، وفق إرادة الليبيين وحدهم.
بدوره، رحّب الاتحاد الأوروبي في بيان لبعثته باقتراح خوري، وعدّ إطلاق مبادرة جديدة للأمم المتحدة لإحياء العملية السياسية في ليبيا «تطوراً إيجابياً جاء في الوقت المناسب، معلناً دعمه بالكامل». وشجع جميع الأطراف الليبية والدولية المعنية على الانخراط «بطريقة هادفة ومسؤولة وبناءة مع الأمم المتحدة وممثلها في ليبيا»، لافتاً إلى أن الالتزام الجماعي بآلية الوساطة الجديدة هذه «ضروري لضمان نجاحها».
كما جدّد الاتحاد الأوروبي دعمه الراسخ لما وصفه بالدور المحوري للبعثة الأممية، ولعملها من أجل التوصل إلى حل سياسي قائم على حوار شامل بين الليبيين، يهدف إلى تجديد شرعية المؤسسات الليبية من خلال إجراء انتخابات وطنية.
المصدر : وكالات