عند اختيار وجهة لقضاء إجازتك، قد تشعر بالحيرة بين رحلة مليئة بالنشاطات المتنوعة التي توفرها عطلة مميزة في مدينة صاخبة، وبين الحاجة إلى رحلة شاطئية هادئة، لكن لماذا تختار نوعاً واحداً فقط؟ عندما يمكنك الاستمتاع بأفضل ما في كلتا التجربتين في بعض المدن حول العالم، ومنها محافظة دمياط المصرية، التي تستطيع أن تقضي فيها عطلة تلبي جميع متطلباتك على تناقضها.
دمياط الواقعة في الجزء الشمالي الشرقي من مصر، تزخر بتاريخ طويل يتضمن أنشطة متنوعة، وعندما سبقنا في زيارتها الرحالة ابن بطوطة وصفها بأنها «مدينة فسيحة الأقطار، متنوِّعة الثمار، آخذة من كل حسن بنصيب». وهي لا تزال للآن تشتهر بمزارع ممتدة من فاكهة الجوافة والموز وأشجار النخيل.
وإذا كانت المواقع الأثرية هي غايتك من السفر، فإنك حتماً ستجد غايتك في دمياط؛ فهي تضم أشهر المساجد الأثرية، مثل حسن الدياسطي بن جابر الأنصاري صاحب قبة الدياسطي، والتي شُيدت في القرن الثامن الهجري بالعصر العثماني، وتحولت إلى مقر المقاومة ضد الاحتلال الفرنسي. إذا زرتها ستستمتع بفن المعمار الإسلامي.
وهناك مسجد «أبو المعاطي» المعروف باسم «جامع عمرو بن العاص»، وجامع «الفاتح»، وجامع ومدرسة «المعيني»، فضلاً عن قلعة «عرابي»، والتلال الأثرية، التي تحتضن الآثار الرومانية، ومنها العملات البرونزية، والأواني الفخارية وغيرها.
الصيد بالصنارة هو هواية كلاسيكية في الهواء الطلق، وفرصة للهدوء النفسي بالنسبة للعديد من السياح، وأدت شعبيتها المتزايدة إلى ظهور قطاع رائج داخل صناعة السياحة يُعرف باسم سياحة الصيد، إذا كنت من هؤلاء الذين يستهدفون هذه السياحة، فتوجه إلى دمياط؛ لأنها ستكون في هذه الحالة وجهة مثالية لممارسة هوايتك.
عُرفت دمياط بشهرتها الواسعة في صيد الأسماك؛ خاصة في منطقة «عزبة البرج»، المطلة على نهر النيل والبحر الأبيض المتوسط معاً، وحتى لو لم تكن ستحمل صنارتك وتصطاد، أو كان أحد أفراد أسرتك لا يهوى هذا النشاط، فإن زيارة «عزبة البرج» ستكون فرصة للاستمتاع بتجربة سياحية جديدة؛ فسيكون أمامك جولات مثيرة مع إطلالات غاية في الحيوية وكأنها لوحة لفنان؛ حيث السفن المشرعة والقوارب الصغيرة تغدو وتروح عبر المياه في رحلات صيد مستمرة.
أنصحك أن تحمل كاميرتك أو ألوانك وريشتك إذا كنت تهوى الرسم لتسجل عبر جماليات الفن التشكيلي هذه المشاهد، أو تجسد السفن، وهي ترسو على الرصيف لتنزل حمولتها من الأسماك والطاولات، التي تحوي كل أصناف وأشكال المأكولات البحرية وخيرات البحر، الأكثر من ذلك أن فضولك سيدفعك حتماً لمراقبة الحرفيين وهم يصنعون السفن والشباك بأيديهم.
المدن السياحية التي توفر لك الراحة والاستجمام في الطريقة التي ينسج بها العالم الطبيعي في مساحاتها الحضرية، بالضبط ما يسري على مدينة «رأس البر» الواقعة في محافظة دمياط، أو كما تُسمى «مرج البحرين»؛ فعندها تنتهي رحلة أطول أنهار العالم نهر النيل، ويلتقي مع البحر الأبيض المتوسط في مشهد لا يوجد في بقعة سواها.
في «رأس البر» تستطيع أن تقيم في أحد بيوتها العصرية بإطلالاتها الرائعة على المساحات المائية، والحدائق، والشوارع الواسعة، والتي تشهد حالياً تطويراً كبيراً حتى أصبحت في طريقها إلى أن تتحول في حد ذاتها إلى جزيرة سياحية أو منتجع سياحي كامل، وتعتبر أيضاً مكاناً مثالياً لصيد الأسماك والسير في منطقة «اللسان»، وممارسة رياضة الـ«كاياك».
لكن ذلك لن يمنع سكانها من أن يعبروا لك عن اعتزازهم بطابعها الخاص الذي اشتهرت به في الماضي، وإذا زرت بعض متاجرها أو مطاعمها، أو فنادقها سيلفت نظرك الصور الفوتوغرافية المعلقة على الجدران، لشاطئها زمان؛ حيث تطالعك العشش والأكواخ ذات الأجواء الرومانسية والحياة البسيطة الهادئة، التي اشتهرت بها، وستعثر في الصور على بعض الأعيان الذين أقاموا تلك العشش في بدايات القرن الـ19 بغرض الإقامة داخلها أثناء الصيد والرياضة، وما لبثوا أن اتخذها المشاهير ونجوم المجتمع والفن مصيفاً لهم، مثل أم كلثوم وأسمهان.
«كوبري دمياط» التاريخي أحد المزارات السياحية في المحافظة، فهو من أقدم الجسور المعدنية المتحركة على مستوى العالم، وبات الآن واحداً من أهم المراكز الثقافية والفنية بها.
ربما لا يدور في ذهنك حين تزور مدينة ما أن تزور ورشها ومصانعها الصغيرة، لكني أنصحك أن تفعل ذلك في دمياط؛ فلا يمكن أن تقضي عطلة فيها من دون أن تتعرف على قلعة صناعة الأثاث في مصر، ويمكنك التسوق من خلال القيام بجولة في هذه الورش، فإذا كان لديك منزل خاص دائم للإقامة في مصر، فقد تقرر أن تقتني وحدات أثاث من دمياط.
وسواء كنت تفضل الطراز الكلاسيكي الذي يشغي بالتفاصيل وفن الأويما أو قطع الأثاث المينمالية والعصرية، فإنك ستنبهر بما تبدعه أنامل الصانع الدمياطي، حيث جودة الصنعة وروعة التصميم، وتشاهد النجار و«الأويمغي» و«المدهباتي» و«الأستورجي» و«الأوشرجي» وهم لا زالوا يتمسكون بالمهن المتوارثة عن أجدادهم عبر السنين.
مشهد الطعام في دمياط يستحق أن تجرب أطباقه التي لن تسقط من ذاكرتك، توجه إلى المطاعم التي تقدم المأكولات البحرية، والتي تشتهر بها المحافظة، تذوق الأسماك ومنها البوري والدنيس والسبيط والكابوريا والجمبري وغيرها على الطريقة الدمياطية، وإذا كنت ترغب في الانغماس أكثر في الطعم التقليدي للمدينة، فتناول «الصيادية»، وهي عبارة عن سمك مدفون في الأرز، وهناك أيضاً الأرز الأحمر الملون بالبصل المحمر والتوابل، والشوربة الحمراء بالسمك المسلوق أو المقلي، والمدفونة الشبيهة بالكبسة.
على قائمة الطعام الدمياطي أيضاً أطباق أخرى تنظرك، منها البط بـ«المارتة»، أي المحشوة بخليط من البصل والكمون والفلفل والحبهان وجوزة الطيب، والمكسرات، أو «الأممة» (وهو الرقاق على الطريقة الدمياطية)، ولا تنسَ أن تتبعها بالحلوى الدمياطية، خاصة المشبك، الذي تشتهر به وتصدره للعديد من دول العالم.
المصدر : وكالات