تواصل مصر تحركاتها لتعزيز تعاونها مع دول حوض النيل، عبر التوسع في إقامة مشروعات مائية وتنموية في تلك الدول، بتمويل من «آلية التمويل» التي دشنتها القاهرة مؤخراً، لدعم التنمية في دول نهر النيل.
وفي إطار جولة في دول حوض النيل الجنوبي، ناقش وزير الري المصري، هاني سويلم، مع نظيره الكيني، إيريك موريثي، الجمعة، «تمويل بلاده، لمشروعات مائية وتنموية في كينيا»، إلى جانب «القضايا المتعلقة بمياه النيل، ومقترحات لتعزيز التعاون الثنائي، في مجال المياه والتغيرات المناخية»، حسب إفادة لوزارة الري المصرية.
وتأتي زيارة سويلم، لكينيا، ضمن جولة لدول حوض النيل، بدأها، الاثنين، بزيارة رواندا، ثم أوغندا والكونغو الديمقراطية، وبحث مع مسؤولين في تلك الدول، «دعم بلاده لإقامة مشروعات مائية وتنموية، بما يعزز التعاون الثنائي في مجال المياه».
وتستهدف القاهرة، تعميق تعاونها الثنائي مع دول حوض النيل، لتأمين حصتها من نهر النيل، المورد الرئيسي لها من المياه، في ظل استمرار أزمة «سد النهضة»، الذي أقامته إثيوبيا على الرافد الرئيسي لنهر النيل منذ عام 2011، بداعي توليد الكهرباء، وسط مخاوف من دولتي المصب (مصر والسودان) من تأثر حصتيهما من مياه نهر النيل بسبب مشروع السد.
وخلال المحادثات مع نظيره الكيني، ناقش سويلم «عدداً من المشروعات التنموية، المقترحة من الجانب الكيني، التي يمكن تمويلها من خلال الآلية التمويلية التي أطلقتها الحكومة المصرية، لتنفيذ مشروعات تنموية وبنية أساسية بدول حوض النيل»، وأكد أن «بلاده ستظل داعمة لجهود التنمية المستدامة لشعوب القارة الأفريقية»، وفق «الري المصرية».
وفي وقت سابق، أعلنت وزارة الخارجية المصرية، في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، عن «بدء إنشاء صندوق الاستثمار في دول حوض النيل، بهدف تعزيز الاستثمارات في المشروعات التنموية والبنية الأساسية في تلك الدول».
وأبدى وزير الري المصري، الجمعة، استعداد بلاده، «تقديم الدعم للجانب الكيني، في مجال التدريب، وبناء القدرات، من خلال برامج تدريبية للمعنيين بقطاع المياه في كينيا، في مركز التدريب الأفريقي للمياه والتكيف المناخي».
وكانت «الري المصرية» قد أعلنت عام 2023 إنشاء تدشين «المركز الأفريقي للمياه والتكيف المناخي»، تحت مظلة «المبادرة الدولية للتكيف بقطاع المياه»، لدعم الدول الأفريقية ورفع قدرات المتدربين الأفارقة في مجال المياه.
وعدّ رئيس قطاع مياه النيل بوزارة الري المصرية الأسبق، عبد الفتاح مطاوع، أن «مصر من أكثر الدول المانحة، لإقامة مشروعات تنموية في دول حوض النيل»، مشيراً إلى أن «القاهرة تدرك أن تلك الدول، تواجه تحديات، في إدارة مواردها المائية»، منوهاً بـ«مشروعات مصرية عديدة بدول النيل، مثل مقاومة الحشائش في أوغندا، وحفر الآبار في كينيا».
ووقّعت مصر وكينيا، عدة اتفاقيات للتعاون الفني في مجال المياه، منذ عام 1993، بدأت بمذكرة تفاهم لحفر 180 بئراً للمياه الجوفية، ثم وقعت اتفاقاً آخر، عام 2016، لتطوير إدارة الموارد المائية، يشمل «حفر آبار جوفية، وإنشاء سدود لحصاد الأمطار، والتدريب وبناء القدرات»، وفق «الري المصرية».
وتؤكد مصر، من خلال تعاونها المائي، على رسالتها لدول حوض النيل، بأنها «ليست ضد التنمية في تلك الدول»، بحسب مطاوع، الذي أشار لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «القاهرة تريد التأكيد على استمرار تعاونها التنموي مع تلك الدول، ورفض أي تصرفات أحادية تضر بمصالحها المائية، كما الموقف في أزمة (سد النهضة) الإثيوبي».
وتضاف التحركات المصرية الأخيرة، لدعم مشروعات التنمية بحوض النيل، إلى سياستها المائية، الهادفة لتقديم التعاون الفني والمائي لدول حوض النيل، وفق خبير المياه الدولي، ضياء القوصي، لافتاً إلى أن «مصر تتبع نهجاً مختلفاً، بالبحث عن أولويات دول حوض النيل التنموية والمائية، لتمويلها».
ويرى القوصي أن «المعونات المصرية لدول حوض النيل يجب أن تقوم، على مبادئ تبادل المصالح، بدعم حقوق مصر المائية»، وقال إنه «يجب دعم تلك الدول، لموقف القاهرة، في اتفاقية (عنتيبي)، ورفض أي إجراءات أحادية، تضر بمصالحها المائية».
وترفض مصر والسودان، اتفاقية «عنتيبي» التي أُبرمت عام 2010، وتفرض إطاراً قانونياً لحل الخلافات والنزاعات، وتسمح لدول المنبع بإنشاء مشروعات مائية من دون التوافق مع دولتَي مصر والسودان، وأعلنت الحكومة الإثيوبية، دخول الاتفاقية حيّز التنفيذ، في أكتوبر الماضي، بعد تصديق 6 دول من حوض النيل عليها.
ويتوقف خبير الشؤون الأفريقية المصري، رمضان قرني، مع دلالات سياسية، لجولة وزير الري في دول منطقة حوض النيل، مشيراً إلى أن «التعاون الفني والمائي مع تلك الدول، انعكاس لتطوير العلاقات السياسية والأمنية المصرية معها مؤخراً»، منوهاً بأن «القاهرة تستهدف تفعيل مسارات التعاون المختلفة مع تلك الدول، لتطوير مواردها المائية».
ويعتقد قرني أن «التحركات المصرية تستهدف تجاوز تداعيات أزمة (سد النهضة)، باتخاذ إجراءات استباقية، تعزز التنسيق مع دول حوض النيل، بما يقطع الطريق، أمام أي مساع أو مشروعات مستقبلية، قد تؤثر على حصتها المائية»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «القاهرة تؤكد دعمها لمشروعات التنمية بحوض النيل، لا سيما السدود، شريطة عدم الضرر بحقوقها المائية».
وتعاني مصر عجزاً مائياً، وتعتمد على مورد مائي واحد هو نهر النيل بنسبة 98 في المائة، بواقع 55.5 مليار متر مكعب سنوياً، وتقع حالياً تحت خط الفقر المائي العالمي، بواقع 500 متر مكعب للفرد سنوياً، حسب بيانات وزارة الري المصرية.
المصدر : وكالات