من مبنى في حيّ عليشة – أحد أقدم أحياء العاصمة السعودية – اتّخذت «مدارس الرياض» مقراً لها، لتبدأ هذه البذرة الواعدة تنمو في رعاية أجيال بلغَ بعضُهم مواقع التأثير ومناصب القيادة في مختلف القطاعات الوطنية.
وواصل هذا الصرح التعليمي مشواره في بناء الإنسان، وانتقلت المدارس من حيّها القديم إلى وسط العاصمة السعودية، متربِّعة على مساحة كبيرة في حيّ المؤتمرات بالرياض، ولم تهدأ منذ 5 عقود الحركة في مباني المدرسة التي بُنيت على نفقة الملك الراحل فهد بن عبد العزيز، الذي كان يرعاها باهتمام شخصيّ ومتابعة دؤوبة، وهو يرى قوافل المميّزين يفكّون الحرف ويعتلون سلّم النجاح؛ ومنها ينطلقون للإسهام في الوفاء بواجب الوطن والتنمية والمستقبل. وحتى آخر أيامه، واصل الملك رعاية هذا المشروع، ليتعهّدها بعده خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز.
ومنذ نشأتها عام 1970، حازت المدارس بموافقة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز على الرئاسة الفخرية للمدارس؛ هو الذي رعى جميع المشروعات الرائدة في العاصمة، إبان تولّيه إمارة منطقة الرياض، وشهد على بزوغ نجم كثير من المشروعات والمؤسّسات التي أضحت اليوم لامعة في سماء النجاح، ومن ذلك مدارس الرياض التي لم يتردّد الملك في قبول فكرة إنشائها، عندما قصده وفدٌ من أعيان المدينة والمفكّرين والأدباء يحملون إليه الفكرة.
بدأ المشروع بين يديه، وسُمّي رئيساً فخرياً للمدارس، وأولاه اهتمامه الخاص، لِما رأى فيه من ملامح النبوغ والنوعية.
وقادت مدارس الرياض التي تضمّ جميع المراحل الدراسية ما قبل الجامعة، على مدى 50 عاماً، مسيرة التعليم المتميّز، ووضعت معايير جديدة للابتكار والجودة، ما جعلها منارة تعليمية مُلهمة أسهمت في تخريج نخبة من القادة وصنَّاع القرار أصبحوا اليوم ركناً أساسياً في تحقيق التحوّل الوطني ورؤية المملكة الطَموحة.
وبتوجيه من الملك سلمان قبل سنوات، أنشأت المدارس مركزاً متخصّصاً لبناء القادة، عُدَّ الأول من نوعه في الشرق الأوسط، لاهتمامه ببناء قيادات شابة من التعليم العام، ونجح في بلورة شخصيات عدد من طلابه وطالباته بأبعاد قيادية جسورة.
وفي ليلة مميّزة من عمر مدارس الرياض، احتفت، الخميس، بمرور 5 عقود من الريادة، وبحضور نخبة من خرّيجيها ممّن يتولّون مناصب قيادية في مختلف القطاعات.
5 عقود من العطاء
وقال الملك سلمان إنّ لهذا الصرح التعليمي دوراً بارزاً في مسيرة التعليم للسعودية، وأكد في كلمته التي ألقاها وزير التعليم يوسف البنيان نيابةً عنه، أنّ العلم مهمَّة جليلة، بها تُبنى الأوطان وعليها تُقام الحضارات، منوّهاً بدور بمدارس الرياض في تخريج أكثر من 11 ألف طالب وطالبة من ذوي الكفاءات، أسهموا جميعاً في الارتقاء بالوطن.
وقال الملك سلمان: «يدرس اليوم في مدارس الرياض ما يزيد على 5 آلاف طالب وطالبة. وفي ظلّ مؤسّسة محمد بن سلمان (مسك)، تستمرّ المسيرة وتتوسّع آفاقها لتشمل مجالات أرحب في مناطق أخرى لبناء جيل مبتكر».
وأضاف: «لطالما منحت حكومة المملكة التعليم أقصى أولوياتها، وجعلته محوراً رئيسياً ضمن برامج (رؤية المملكة 2030)، لكونه عنصراً رئيسياً يُسهم في تحقيق طموحات أمّتنا نحو التقدُّم والازدهار والرقيّ الحضاري».
من جهته، قال رئيس مجلس إدارة مدارس الرياض، الدكتور بدر البدر: «نصف قرن مضى؛ نحتفي به مع هذه العائلة التي كبرت يوماً بعد يوم، وخرّجت أكثر من 11 ألف طالب وطالبة، كانوا ولا يزالون قيادات وقدوات تُسهم في بناء الوطن».
وأضاف: «برعاية خادم الحرمين الشريفين وولي عهده، ستستمرّ هذه العائلة في تحقيق رؤيتها ببناء الإنسان وتوريث الأثر عبر الأجيال».
وشهد الحفل كلمات مؤثّرة، أبرزها التي ألقاها خرّيجون سابقون عبّروا فيها عن اعتزازهم بانتمائهم لمدارس الرياض، بالإضافة إلى فقرة خاصة قدّمها الطلاب والطالبات، يترجمون فيها رؤية المستقبل، ويؤكدون حرصهم على مواصلة مسيرة الإنجازات، وتكريم نخبة من الشخصيات الأكثر خدمة وإسهاماً في بناء هذا الصرح التعليمي الكبير.
شبكة من المدارس الرائدة
وخلال احتفال مدارس الرياض بمرور 5 عقود على تأسيسها، الذي أُقيم برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، رئيسها الفخري؛ أعلنت مؤسّسة محمد بن سلمان «مسك» عن توسّع استراتيجي لمجموعة المدارس.
وتتضمّن الخطّة التوسعية إنشاء أكثر من 44 مدرسة في مختلف مناطق المملكة بحلول عام 2034؛ إذ سيكون لها وجود في 10 مناطق إدارية، مع افتتاح أول مدرسة للمجموعة خارج مدينة الرياض عام 2026.
وتُركِّز المجموعة على إنشاء مدارس ذات جودة عالية وتشغيلها، بمناهج دراسية متميّزة؛ بهدف الارتقاء بمستوى التعليم وتعزيز البيئة التعليمية بما يتوافق مع أهداف «رؤية 2030».
وافتتحت مدارس الرياض التي تأسّست عام 1970 ثاني فروعها في حيّ حطين بمدينة الرياض العام الماضي.
وتضم مشروعات رائدة تشمل: مركز مدارس الرياض لكرة القدم الذي انطلق في أغسطس (آب) 2024 بهدف تنمية المواهب الكروية المُبدعة وتطويرها رياضياً وأكاديمياً، ومعهد قادة التعليم الذي بدأ نشاطه في ديسمبر (كانون الأول) 2023 لتزويد الكوادر السعودية حديثي التخرّج والمعلّمين ذوي الخبرة بالمهارات والخبرات اللازمة ليصبحوا قادة مُبتكرين ومؤثّرين.
وتشمل الخطّة التوسعية تطوير الهوية الاستراتيجية للمجموعة التي تتمثّل رؤيتها في أن تصبح من بين أفضل 5 مشغّلين للمدارس، وتأهيل طلاب على دراية عالمية، ومرتبطين ارتباطاً عميقاً بالقيم السعودية، وملتزمين بتشكيل مستقبل المملكة، فيما تقوم رسالتها على إنشاء مدارس ذات جودة عالية ومناهج دراسية متميّزة يُقدّمها معلّمون استثنائيون.
المصدر : وكالات