حرب أعصاب… قصة الساعات الأخيرة قبل موافقة إسرائيل على الصفقة – مشاهير

إسلام جمال17 يناير 20252 مشاهدة
حرب أعصاب… قصة الساعات الأخيرة قبل موافقة إسرائيل على الصفقة – مشاهير


بعد حرب أعصاب عاشها ملايين الإسرائيليين الفلسطينيين في اليومين الماضيين لمعرفة هل ستوافق تل أبيب فعلاً على صفقة التهدئة في غزة، أقر المجلس الوزاري المصغر (الكابنيت)، بقيادة بنيامين نتنياهو، اتفاق وقف النار «المستدام» وتبادل الأسرى بين إسرائيل وحركة «حماس». ولم يبق سوى تصويت الحكومة على الصفقة حتى تنطلق يوم الأحد.

لكن هذا التطور الإيجابي لا يُريح أصحاب الشأن، كما يبدو. فقد بات واضحاً أن كل بند سيُنفّذ في هذه الصفقة سيترافق مع شد أعصاب آخر، لأن أحداً لا يثق بأن الفرقاء مخلصون في التوجه إلى الصفقة، بل كثيرون منهم يشعرون بأنهم مرغمون عليها. وفي اليمين المتطرف في تل أبيب، قال محرر «القناة 14»، أريه سيجال، المقرب جداً من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو: «الرئيس الأميركي (المنتخب) دونالد ترمب صدمنا. عملياً فرض علينا الصفقة بالقوة».

بدأت حرب الأعصاب بعد ساعات قليلة من إعلان الرئيس دونالد ترمب، مساء يوم الأربعاء، في منشور على حسابه في منصة «تروث سوشيال»: «لقد توصلنا إلى اتفاق بشأن الرهائن في الشرق الأوسط»، وهو إعلان أتبعه الرئيس المنتهية ولايته، جو بايدن، بإعلان مماثل. فقد كان المفترض أن يعلن رئيس وزراء قطر الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، رسمياً عن التوصل إلى اتفاق. لكن إعلانه تأخر. وفي الوفد الأميركي المشارك في مفاوضات التهدئة في الدوحة، صُعق المفاوضون من هذا التطور ولم يصدقوا أن الصفقة أصبحت في خطر بسبب «أمور تافهة»، حسب رأيهم. وراحوا يديرون اتصالات مكثفة مطعّمة بتهديدات شديدة للطرف الفلسطيني وتذمر شديد للطرف الإسرائيلي. وطلبوا إنهاء الخلافات فوراً. وبالفعل، خرج المسؤول القطري بإعلانه الرسمي عن اتفاق وقف النار وتبادل الأسرى والمحتجزين، لكنه قال إن المفاوضين سيبقون في الدوحة لوضع اللمسات الأخيرة على الاتفاق، وهو الأمر الذي بعث الهدوء بعض الشيء.

وفي تل أبيب، أُعلن أن «الكابنيت» سيجتمع في الحادية عشرة من ظهر الخميس ويتلوه اجتماع للحكومة، لإقرار صفقة غزة. ولكن، في الساعة الثالثة من فجر يوم الخميس، اتصل رئيس الفريق الإسرائيلي إلى المفاوضات في الدوحة، رئيس جهاز الموساد دافيد برنياع، برئيس الحكومة، نتنياهو، وأيقظه ليبلغه بأن «مشكلة ظهرت في اللحظة الأخيرة». وحسب رواية مكتب نتنياهو، فإن «حماس» التي تعهّدت بإعطاء حق فيتو إسرائيلي على هوية جزء من كبار الأسرى الذين سيتم إطلاق سراحهم في الصفقة، تراجعت عن ذلك. وتصر على أن يكون بينهم مروان البرغوثي وأحمد سعدات وإبراهيم حامد وعبد الله البرغوثي وعباس السيد وغيرهم من الذين يُعدون من أبرز قادة الحركة الأسيرة الفلسطينية.

رد نتنياهو بأن أعطى أمراً للبعثة في الدوحة بالتصميم على رفض مطالب «حماس». ومع بزوغ الصباح، ظهرت عوائق أخرى، إذ أبلغت «حماس» أن الخرائط التي قُدمت إليها حول الانسحاب الإسرائيلي من مناطق في قطاع غزة ناقصة وغير واضحة. فأعلنت إسرائيل إلغاء الاجتماعَيْن («الكابنيت» والحكومة).

وحتى ساعات مساء الخميس، كان الوسطاء الأميركيون والقطريون والمصريون يبذلون جهوداً كبيرة للتغلب على الخلافات، في حين كان العالم يضج ويوزّع الاتهامات. وتمّ إرسال خرائط جديدة إلى «حماس» التي تنازلت، في المقابل، عن شروط كانت قد وضعتها في موضوع الأسرى.

ولكن، عندما بدا أن الإشكاليات قد انتهت، خرج قادة اليمين المتطرف في إسرائيل بمواقف تعرقل الصفقة. فقد أعلن وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، أنه لن يوافق على الصفقة، وإذا تمت المصادقة عليها في إسرائيل فسينسحب من الحكومة. وتوجه إلى شريكه في الانتخابات الأخيرة، وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، لينضم إليه. في المقابل، راح نتنياهو يؤخّر اجتماع «الكابنيت» ودخل في مفاوضات مضنية مع سموتريتش، علماً بأنه اجتمع به ثماني مرات خلال ثلاثة أيام، وهذا بعد عشرات الاجتماعات معه ومع بن غفير في الأيام التي سبقت.

صور رهائن إسرائيليين في غزة على جدار أمام مقر القيادة العسكرية الإسرائيلية في تل أبيب الجمعة (إ.ب.أ)

وكان سموتريتش يصر على معارضة الصفقة حتى اللحظة الأخيرة، لكنه ابتزّ نتنياهو بطريقة وصفها أحد المعلقين بأنها «نوع من مص الدم»، لافتاً إلى أن سموتريتش تصرّف كـ«مارد شبّ على صاحبه»، إذ إن نتنياهو هو الذي عمل على توحيد اليمين في كتلة واحدة تضم سموتريتش وبن غفير حصلت على 14 مقعداً في الانتخابات الأخيرة.

في نهاية المفاوضات، اتفق نتنياهو مع سموتريتش على استئناف الحرب ضد «حماس» بعد انتهاء المرحلة الأولى من الصفقة، أي بعد 42 يوماً، وعلى القيام بحملة عسكرية كبيرة في الضفة الغربية لتصفية ما سماه الإرهاب الفلسطيني. وقدّم له رزمة «هدايا» أخرى، عُرف منها حتى الآن: أن يكون شريكاً في القرار حول هوية رئيس أركان الجيش القادم الذي سيحل محل هرتسي هليفي بعد دفعه إلى الاستقالة، وأن يمرر قرارات لتوسيع الاستيطان بـ10 آلاف بيت جديد، وأن يضع خطة لفرض السيادة الإسرائيلية على المستوطنات في الضفة الغربية.

وفقط عندئذٍ، وقّع الوفد الإسرائيلي في الدوحة على الاتفاق. واجتمع «الكابنيت» قبيل ظهر الجمعة، ثم الحكومة بعد الظهر لإقرار الصفقة وإطلاقها. وأعلن نتنياهو أن الدفعة الأولى من المحتجزين لدى «حماس» سيُطلق سراحهم يوم الأحد؛ بحيث يصل عدد المحتجزين المحررين في نهاية الأسابيع الستة المقبلة 33 شخصاً. ويبقى هناك 65 محتجزاً، هم الجنود والضباط والمدنيون الذكور تحت سن الخمسين. ويفترض أن تبدأ مفاوضات بعد 16 يوماً حول المرحلة الثانية من الاتفاق.

لكن الأمور لا تبدو سالكة بهذه السهولة، خصوصاً بعد تعهدات نتنياهو لسموتريتش وخطر استئناف الحرب وتوسيعها إلى الضفة الغربية لإرضاء اليمين المتطرف. وتطرح أسئلة عديدة حول رد فعل ترمب على هذا السلوك وهل سيتحمله كما تحمله بايدن.

بيد أن حرب الأعصاب الأشد، في هذه المعمعة، ستكون لدى أفراد عائلات المحتجزين الإسرائيليين لدى «حماس». فهؤلاء يعيشون حرب أعصاب خاصة بهم، ولا يصدّقون ما تراه عيونهم المتعبة من تصرفات قياداتهم السياسية والعسكرية من تلاعب بمشاعرهم واستخفاف بمعاناتهم، حسب رأيهم، خصوصاً أنهم يشعرون بأن هذه القيادة تعيش في اغتراب عنهم ولا تحس بهم. يتهم هؤلاء قيادة بلادهم بأنه لا يزعجها تأجيل الصفقة يوماً أو شهراً أو سنة، لكي تحقق مكاسب سياسية وحزبية وشخصية. ولم يعد لديهم حرج في اتهام الحكومة بجريمة التسبب في قتل أبنائهم المحتجزين والأسرى وإطلاق تعابير مثل «حكومة مجرمة». ويطرحون السؤال الذي يقض مضاجع الجيش والمجتمع الإسرائيلي بأسره: «كيف سيحارب أولادنا الآن، وهم يعرفون جيداً أنهم في حال الوقوع بالأسر، فإن هذه القيادات ستهملهم كما أهملت أولادنا وتسبّبت بمقتل 33 شخصاً منهم داخل الأسر؟».


المصدر : وكالات

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

عاجل