عاكس «حزب الله» اللبناني الأجواء الإيجابية في لبنان الناجمة عن انتخاب العماد جوزيف عون رئيساً للجمهورية وتكليف القاضي الدولي نوّاف سلام بتشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة، والبدء في عملية انتظام المؤسسات الدستورية، بإعلانه التمسّك بسلاحه وتجزئة القرار 1701 ما بين جنوبي نهر الليطاني وشماله، إذ رأى أمين عام الحزب نعيم قاسم أنّ «المقاومة في لبنان ستبقى عصية على المشروع الأميركي ــ الإسرائيلي، وهي مستمرة وقوية وجاهزة وأمينة على دماء الشهداء لتحرير الأرض وتحرير فلسطين».
وفي كلمة ألقاها خلال المؤتمر الدولي الثالث عشر الذي أُقيم تحت عنوان «غزة رمز المقاومة»، قال قاسم: «صَبرنا على الخروقات الإسرائيلية لإعطاء فرصة للدولة اللبنانية المسؤولة عن هذا الاتفاق ومعها الرعاة الدوليون، ولكن أدعوكم إلى ألا تختبروا صبرنا، وأدعو الدولة اللبنانية إلى الحزم في مواجهة الخروقات التي تجاوزت المئات، هذا الأمر لا يمكن أن يستمر، الاتفاق حصراً هو في جنوب نهر الليطاني». وأضاف: «خرجنا بحمد الله مرفوعي الرأس والسلاح بأيدي المقاومين والقرار 1701 إطار عام، أما خُطط الاستفادة من المقاومة وسلاحها، فيناقَش ضمن الاستراتيجية الدفاعية وبالحوار من ضمن الحفاظ على قوة لبنان وسيادة لبنان واستقلاله»، مشدداً على أن «أحداً لن يتمكن من استثمار نتائج العدوان في السياسة الداخلية، فالمسار السياسي مُنفصل عن وضع المقاومة».
كلام خطير
ويأتي موقف قاسم قبل أيام قليلة من موعد انسحاب إسرائيل من الجنوب، سيؤدي إلى نتائج سلبية على لبنان، وفقاً لعضو كتلة «القوات اللبنانية» النائب غياث يزبك الذي وصف هذا الكلام بـ«الخطير». ورأى أنه «يستدرج حرباً إسرائيلية جديدة على لبنان». وأوضح، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «كلام قاسم عن التمسّك بالسلاح والفصل الشقّ المتعلّق بالقرار 1701 في جنوبي الليطاني عن شمال الليطاني انقلاب على اتفاق وقف النار؛ خصوصاً أن هذا الخطاب يأتي قبل أيام قليلة من 27 يناير (كانون الثاني) الحالي موعد انسحاب إسرائيل من المناطق التي احتلتها في جنوب لبنان، وعشية وصول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، وهذا قد يستدرج تصعيداً خطيراً من قبل إسرائيل». وقال: «هذا الكلام محاولة لنزع المصداقية عن موقف (رئيس مجلس النواب) نبيه برّي الذي أوحى بأجواء إيجابية لتشكيل الحكومة الجديدة؛ خصوصاً مع تأكيد رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلّف بعدم إقصاء أي طرف عن الحكومة العتيدة».
ويناقض كلام قاسم روحية ما جاء في خطاب القسم الذي ألقاه الرئيس جوزيف عون، الذي جزم بـ«عدم قبول أي سلاح على الأراضي اللبنانية سوى سلاح الجيش اللبناني، وحقّ الدولة وحدها في حماية حدودها ومنع الاعتداءات الإسرائيلية على السيادة اللبنانية»، واعتبر النائب يزبك أن ما قاله قاسم «يشكل ضربة قوية للعهد الجديد وللرئيس جوزيف عون ورئيس الحكومة نواف سلام، وعملية ابتزاز للدولة كما كان يحصل قبل الحرب». وقال: «يجب أن يعرف قاسم أن كلامه لا يمثل الطائفة الشيعية ولا الوجدان الشيعي الذي بدأ يعبر بوضوح عن إيمانه بالدولة ودعمه لقيام مؤسساتها الدستورية»، مشيراً إلى أن «(حزب الله) يعتقد وفق ما صرّح أمينه العام بأنه يمكنه أن يحقق مكاسب جديدة عبر العودة إلى طرح شعاراته القديمة التي كانت مرفوضة بالسابق وبالتأكيد غير قابلة للنقاش حالياً، والعودة إلى نغمة حق المقاومة بالدفاع عن البلد وحمايته، وهذا أمر حسمه العهد الجديد».
وتزامن كلام «حزب الله» الجديد مع وجود الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في بيروت، وبعد ساعات على انتهاء الزيارة الرسمية للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى بيروت. ورأى النائب غياث يزبك أن «خطاب نعيم قاسم يقلق الدول الصديقة والشقيقة التي تعهدت بتقديم كل الدعم للدولة اللبنانية، ويعدّ رسالة سلبية تجاه الرئيس الفرنسي الذي نطق باسم الأسرة الدولية»، معتبراً أن «منطق نعيم قاسم يعبّر عن الأحادية الخاطفة للطائفة الشيعية التي تورّط البلد مجدداً في أزمات يسعى للخروج منها بكل الطرق».
محاولة لاستيعاب النكسة
مضامين كلام قاسم تؤشر إلى أن الحزب لا يزال يعيش في مرحلة ما قبل فتح «جبهة الإسناد» والحرب الإسرائيلية، إلّا أن مدير «مركز المشرق للشؤون الاستراتيجية» الدكتور سامي نادر قلّل من تأثير هذا الخطاب على الأجواء الإيجابية التي يعيشها لبنان منذ انتخاب رئيس الجمهورية وتسمية الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة. واعتبر أن كلام قاسم «محاولة لاستيعاب النكسة التي لحقت به، ومحاولة استباقية للبيان الوزاري ولمسألة مشاركته في الحكومة الجديدة، وجسّ نبض لمضامين البيان الوزاري وتفسير مسألة حصر السلاح بيد الدولة». ولم يخفِ نادر، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن كلام قاسم «يناقض مضامين خطاب القسم وموقف الرئيس المكلف نواف سلام عن حصرية السلاح بيد الدولة»، لافتاً إلى أن الحزب «سيحاول الفصل ما بين القرار 1701 الذي يتحدث عن بسط سلطة الدولة على الحدود الجنوبية، وبين القرار 1559 الذي ينص على نزع سلاح الميليشيات، لكنه يدرك تماماً أن القرارين يكملان بعضهما، وبالتالي يحاول الحد من خسارته العسكرية والسياسية واستشراف المرحلة المقبلة».
المصدر : وكالات