على العكس من الانتقادات المتتالية للتعليم المصري العام المثقل بالأعباء ومحدودية الموارد، سلطت مشاجرة «مدرسة التجمع» الخاصة الضوء على «مشكلات» قيمية وإدارية تعانيها المدارس الدولية والخاصة، ذات المصاريف المرتفعة.
الواقعة التي حازت اهتماماً إعلامياً و«سوشيالياً» على مدار الأيام الماضية، تعود إلى يوم الخميس الماضي، عقب نشر مقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي تظهر تعرض طالبة للضرب على أيدي ثلاث طالبات أخريات في إحدى مدارس حي «التجمع الخامس» الراقي (شرق القاهرة)، ما شكل «صدمة» مجتمعية، لا سيما أن المدرسة دولية ويقصدها أبناء «المتوسطة – العليا».
ومع احتدام جدل «سوشيالي» بشأن الواقعة، تدخلت وزارة التربية والتعليم، وقررت، الأحد، فصل الطالبات الثلاث فصلاً نهائياً من المدرسة، ومعاقبة من شاركوا سلبياً في الواقعة، ممن قاموا بالتصوير، بالفصل أسبوعين، كما قررت وضع المدرسة قيد الإشراف المالي والإداري للوزارة.
لم يحسم تدخل الوزارة الجدل، الذي تزايد عقب تداول منشور على مواقع التواصل الاجتماعي منسوب لوكيلة المدرسة محل الواقعة، تضمن انتقادات لقرار الوزارة، واتهامات للوزير نفسه، تسببت في موجة من النقد الإعلامي و«السوشيالي» لوكيلة المدرسة بداعي «تقصيرها في دودها التربوي»، وذلك قبل أن تنفي وكيلة المدرسة، نرمين محمد، المنشور المنسوب إليها، مؤكدة عزمها على اتخاذ الإجراءات القانونية ضد من «استخدم صورتها واسمها بشكل غير قانوني على مواقع التواصل الاجتماعي».
فتحت الواقعة نقاشاً واسعاً بشأن «مشكلات» المدارس الدولية والخاصة، وتساءلت المحامية الدكتورة نهاد أبو القمصان في فيديو عبر حسابها على «فيسبوك» عن «دور الأمن وإدارة المدرسة». وقالت: «يبدو أنه لا يوجد إدارة أو أمن»، مضيفة أن «ما حدث هو نتاج طبيعي لمجتمع يعزز ثقافة العنف ويتسامح مع الضرب»، وأن «العنف والضرب ليسا حكراً على الطبقات الدنيا من المجتمع بل موجودان أيضاً في الطبقات العليا».
وأبدى العميد الأسبق لكليتي التربية ورياض الأطفال في جامعة القاهرة، الدكتور مصطفى النشار، اعتراضاً على تعدد أنواع وأشكال التعليم في مصر بين حكومي وأزهري، وخاص ودولي. وقال: «يجب توحيد التعليم ليكون تحت ولاية الوزارة وإشرافها»، مؤكداً أن «تطوير التعليم يجب أن يسير على محورين؛ الاهتمام بالمعلم، وتحسين المناهج لتقوم على إعمال العقل والفكر».
وأرجع النشار، واقعة مدرسة التجمع إلى «عدم الاهتمام بتربية العقل إلى جانب التعليم». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «لا بد من الاهتمام بتدريس الفلسفة واحترام الآخر وقيم وآداب الحوار في المدارس».
بدوره، أكد أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة «مصر – اليابان» الدكتور سعيد صادق، أن «المدرسة انعكاس للمجتمع»، موضحاً في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن «المجتمع منقسم طبقياً واقتصادياً ومن الطبيعي أن ينعكس هذا على أنواع التعليم».
وقال إن «الواقعة الأخيرة أحدثت صدمة مجتمعية لأن كثيرين كانوا يعتقدون أن ثقافة العنف مرتبطة بالطبقات الدنيا».
وأشار صادق إلى أن «الواقعة سلطت الضوء على مشاكل التعليم الخاص والدولي وأبرزها الاهتمام بالحصول على العائد المادي دون التركيز على التربية والتقويم السلوكي للطلبة، لدرجة وصلت إلى حد محاباة الطلاب حتى عند الخطأ بداعي الحفاظ على مستقبلهم».
وقال: «كثير من هذه المدارس يفتقد آليات المحاسبة ولديه قدر من الميوعة الإدارية في التعامل مع الطالب الذي يعد مصدر دخل للمدرسة».
في المقابل، لا ترى عضو لجنة التعليم في مجلس النواب المصري (البرلمان)، أمل عصفور، أزمة في تنوع المدارس وأنواع التعليم في مصر، وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «إن التنوع جيد ويتيح لكل أسرة اختيار ما يناسبها»، لكنها في الوقت نفسه ترى «ضرورة تفعيل الدور الرقابي للوزارة على المدارس الدولية والخاصة».
وأشارت عصفور إلى عزمها على تقديم طلب إحاطة في البرلمان بشأن الواقعة، موضحة أن «المدارس الدولية لديها لوائح انضباط وسلوك كما أنها تخضع لرقابة قوية من الوزارة». وقالت: «لا بد من تفعيل الدور الرقابي مع الاهتمام بأن يكون هناك رصد وتوجيه سلوكي للطلاب وتدريب على احترام الآخر».
وبالفعل، تقدّم النائب كريم السادات بطلب إحاطة إلى المستشار حنفي جبالي رئيس مجلس النواب المصري، موجهاً إلى وزير التربية والتعليم محمد عبد اللطيف، طلباً بشأن «ضرورة إدراج مادة توعية أخلاقية ضمن المناهج الدراسية، بهدف تعزيز القيم الأخلاقية والسلوكيات الإيجابية لدى الطلاب». وأشار إلى أن «واقعة مدرسة التجمع الأخيرة، تعكس خطورة غياب القيم والوعي الأخلاقي بين الطلاب».
من جانبه، أكد المتحدث الإعلامي باسم وزارة التربية والتعليم المصرية شادي زلطة أن «جميع المدارس الدولية والخاصة في مصر تخضع لإشراف الوزارة، ولا تعمل إلا بعد حصولها على ترخيص منها بعد مراجعة المناهج والشروط الأخرى المتعلقة بالمبنى ومساحته وغيرها من الأمور».
وبشأن ما إذا كان من الممكن إدراج مواد للتوعية الأخلاقية في المدارس الدولية والخاصة، قال زلطة لـ«الشرق الأوسط» إن «الوزارة يمكن أن توصي بذلك في إطار الهدف الأسمى للتعليم وهو الحفاظ على التربية وترسيخ القيم الأخلاقية قبل التعليم لكن الأمر في النهاية يدخل في سياق الأنشطة التي تقررها هذه المدارس».
وأضاف زلطة أن «الوزارة لا تتدخل في طريقة إدارة تلك المدارس أو نوعية الأنشطة التي تقدم للطلاب، لكنها تحقق في أي شكاوى تصل إليها وتتخذ الإجراءات القانونية بشأنها كما حدث في واقعة مدرسة التجمع».
المصدر : وكالات