هيمنت عودة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى البيت الأبيض على أعمال المنتدى الاقتصادي العالمي في أول أيامه. فمن مديري الجلسات الحوارية، إلى قادة الدول وأثرى أثرياء العالم، مروراً بسائقي حافلات «دافوس» الكهربائية، تردّد اسم الرئيس العائد آلاف المرات، بنبرة متخوفة تارة، وسعيدة متحمسة تارة أخرى.
وبينما انهمك رواد المنتدى في القراءة بين سطور تسونامي الأوامر التنفيذية التي أصدرها الرئيس مساء الاثنين، حرص قادة أوروبا والصين على التحذير من عواقب الحروب التجارية التي قد تسبّبها رسومه الجمركية على النمو الاقتصادي العالمي.
التزام صيني بالتعددية
وفي خطاب عهده العالم «أميركياً بامتياز» حتى انتخاب ترمب لولاية أولى في 2016، انضمّ نائب رئيس الوزراء الصيني دينغ شويشيانغ إلى المحذّرين من خطر الحمائية والحروب التجارية. وقال المسؤول الصيني الرفيع، في خطاب أمام رواد «دافوس»، إنه «لا رابح في الحروب التجارية»، وإن «الحمائية لا تقود إلى مكان».
واعتبر دينغ أن «العولمة الاقتصادية ليست لعبة محصلتها صفر، بل هي عملية منفعة متبادلة، وتقدّم مشترك». كما وصف التعددية على الساحة الدولية بأنها «المسار الصحيح للحفاظ على السلام العالمي وتعزيز التنمية البشرية».
وتأتي تصريحات دينغ بعد ساعات قليلة من تأكيد حكومته التزامها بدعم اتفاق باريس للمناخ ومنظمة الصحة العالمية، عقب انسحاب ترمب منهما في قرار عدّته «مقلقاً».
ويكثّف صناع السياسات الصينيون جهودهم لتحفيز اقتصاد البلاد المتعثر بعد جائحة «كوفيد-19»، وسط مخاوف بشأن زيادة الرسوم الجمركية الأميركية بعد تنصيب ترمب.
«سباق نحو القاع»
وانضمّت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، إلى نائب رئيس الوزراء الصيني في التحذير من عواقب الرسوم الجمركية. وقالت أمام رواد دافوس إن اللجوء إلى «أدوات اقتصادية مثل العقوبات، وضوابط التصدير، والرسوم الجمركية» يضع العالم عرضة لخطر «سباق نحو القاع».
وأقرّت المسؤولة الأوروبية بدخول العالم «حقبة جديدة من المنافسة الجيواستراتيجية القاسية». وقالت إنه «مع تكثيف هذه المنافسة، من المرجح أن نستمر في رؤية الاستخدام المتكرر لأدوات اقتصادية، مثل العقوبات وضوابط التصدير والتعريفات الجمركية، التي تهدف إلى حماية الأمن الاقتصادي والوطني»، مشددة في الوقت ذاته على ضرورة دعم الابتكار.
حلفاء جدد؟
وفي ردّ فعل واضح على ولاية ترمب الثانية، تحدّثت فون دير لاين عن توجه أوروبا للبحث عن حلفاء جدد. وقالت إن أولوية بروكسل القصوى ستكون الدخول في «حوار لاستشراف مصالحنا المشتركة والاستعداد للتفاوض». كما تحدّثت عن اعتماد البراغماتية في التعامل مع الإدارة الأميركية الجديدة، «دون التخلي عن مبادئنا لحماية مصالحنا والدفاع عن قيمنا».
وأكّدت رئيسة المفوضية استمرار أوروبا في «الدعوة إلى التعاون، ليس مع أصدقائنا القدامى الذين يشاركوننا قيمنا فحسب، بل مع جميع البلدان التي لدينا مصالح مشتركة معها»، موجّهة رسالة إلى العالم مفادها أن أوروبا «مستعدة للدخول في حوار معكم إذا كان لذلك منافع متبادلة».
وفي خطوة قد تثير غضب ترمب، الذي سيخاطب المنتدى عبر تقنية الفيديو الخميس، تحدّثت فون دير لاين عن استعداد الاتحاد الأوروبي لـ«مد اليد» إلى الصين و«تعميق» علاقاته مع بكين. وقالت: «أعتقد أن الأوان قد حان لإعادة التوازن لعلاقاتنا مع الصين بمبدأ الإنصاف والمعاملة بالمثل».
«ركيزة الازدهار»
حمل المستشار الألماني، أولاف شولتس، رسالة مماثلة لرسالتَي فون دير لاين ودينغ، ودافع عن التبادل الحر الذي وصفه بـ«ركيزة الازدهار». وفيما أقرّ بالتحدي الذي يطرحه شعار «أميركا أولاً»، شدد المستشار الألماني المقبل على انتخابات تشريعية الشهر المقبل على أن «التعاون والتفاهم المتبادلين يصبان بشكل عام في مصلحة الجميع».
وقال شولتس، في كلمة أمام رواد المنتدى الاقتصادي العالمي، إن الأوروبيين الذين يريدون «تجارة عالمية حرة ونزيهة» سيدافعون عن هذا المبدأ «مع شركاء آخرين»، لمواجهة «العزلة» التجارية التي «تضر بالازدهار». كما حذّر من أن «الرئيس ترمب وإدارته سيبقيان العالم في حالة ترقب لسنوات».
وقد تكون الواردات الأوروبية في مرمى الرئيس الأميركي الجديد، خاصة منتجات ألمانيا التي لديها أعلى فائض تجاري مع الولايات المتحدة.
ويقول أحد رجال الأعمال الأوروبيين لـ«الشرق الأوسط» في أروقة «دافوس»، إنه يخشى أن تتسبب «رسوم ترمب» في إطلاق حرب تجارية باردة، تدفع الأوروبيين للرد عبر رسوم على صادراتهم. إلا أنه استدرك قائلاً: «أستبعد أن تصل الأمور إلى هذا الحد، فالعلاقات الأطلسية تتجاوز التبادل التجاري إلى قضايا الأمن المشترك واستقرار الاقتصاد العالمي».
وخلافاً لانفتاح فون دير لاين العلني على «شركاء جدد»، أكّد شولتس أنه يريد أن يفعل «كل شيء» لضمان بقاء الولايات المتحدة «أقرب حليف» لألمانيا خارج أوروبا، سواء من أجل «السلام والأمن في العالم»، أو من أجل «التنمية الاقتصادية».
المصدر : وكالات