عقد من حكم سلمان: حزم ورؤية وتمكين وازدهار – مشاهير

إسلام جمال23 يناير 20251 مشاهدة
عقد من حكم سلمان: حزم ورؤية وتمكين وازدهار – مشاهير


يُعدُّ الملك سلمان طوال فترة إمارته على الرياض الأكثر قرباً إلى دوائر الحكم، وكان مرافقاً لوالده الملك عبد العزيز، ونال ثقته وهو الابن الخامس والعشرون في ترتيب أبنائه، وبقي على هذا النهج مقرباً من جميع ملوك الدولة السعودية: سعود، وفيصل، وخالد، وفهد، وعبد الله.

وُصِف الملك سلمان بأنه «حاكم الرياض»، وهي صفة لم تطلق على أمراء المناطق الآخرين، مما يعني أنه وُلد حاكماً، ويملك جينات الحاكم منذ أن كان أميراً على الرياض، كما يوصف بأنه أمين سر أسرة الحكم، ومبعوث الملوك ومستشارهم الخاص، بل كان يُستقبَل في الدول التي يزورها، حينما أوكلت إليه كثير من المهام السياسية من ملوك السعودية كحاكم، وزاد على ذلك بتوكيله بتوقيع اتفاقات ومذكرات التفاهم مع عدد من العواصم في مختلف الدول، وترأس وفود بلاده إلى كثير من المحافل الإقليمية والعالمية.

ونظراً لكونه أميراً للرياض فترة طويلة، فقد توسَّعت دائرة حضوره عند كثير من زعماء الدول ورؤساء الحكومات والزعامات السياسية والثقافية، ولعبت العاصمة السعودية الرياض إبان إمارته دوراً مهماً ولافتاً في صناعة خريطة الاهتمام بالقرار السعودي نظراً لما استضافته من زوار، وزعامات سياسية، وقمم ومؤتمرات.

وعندما تمَّت مبايعته ملكاً لبلاده في 23 يناير (كانون الثاني) 2015، أي قبل 10 سنوات، حمل لقب خادم الحرمين الشريفين، وأنجز إصلاحات كبرى كانت محل تقدير العالم.

كما اتخذ إجراءات في مجال حماية وتعزيز حقوق الإنسان، وسن القوانين التي تحفظ حقوق المرأة، والأطفال، وذوي الإعاقة، والعمالة.

خادم الحرمين الشريفين يزور منطقة قصر الحكم في مدينة الرياض عام 2022 (واس)

خطوات بارزة جرى اتخاذها في المملكة منذ تولي الملك سلمان بن عبد العزيز سدة الحكم؛ لتعزيز المساواة ومنع التمييز، كما أُتيحت سبل الانتصاف لمَن انتُهكت حقوقهم عبر الجهات القضائية، ومؤسسات حقوق الإنسان الحكومية والخاصة، وسُنَّت قوانين لحماية حقوق المرأة، والأطفال، وذوي الإعاقة، والعمالة.

واحدة من أبرز هذه الخطوات؛ السماح للمرأة بقيادة السيارة لأول مرة، ففي 24 يونيو (حزيران) 2018، دخل هذا القرار حيز التنفيذ، بعد أن أصدر الملك أمراً تاريخياً في 26 سبتمبر (أيلول) 2017 يسمح للمرأة بالحصول على رخصة قيادة. هذا القرار مثّل نقلةً نوعيةً في حياة المرأة السعودية.

في عهده، أحرزت المرأة السعودية إنجازات لافتة، منها المشارَكة في الانتخابات البلدية لأول مرة في 12 ديسمبر (كانون الثاني) 2015، حيث فازت 21 امرأة بمقاعد في المجالس البلدية. وشهد عام 2018 قرارات تاريخية للمرأة أيضاً، منها بدء الأعمال التجارية من دون الحاجة لموافقة ولي الأمر، والمساواة في بعض الحقوق الأسرية مثل التبليغ عن الزواج والطلاق، وحق تسجيل الأبناء القُصَّر. كما تم إقرار قانون التحرش في عهد الملك سلمان الذي يؤكد حرص القيادة على المحافظة على القيم الإنسانية والاجتماعية، وكذلك السماح للأسر بدخول مباريات كرة القدم. وشهد عصر الملك سلمان بداية مشاركة السعوديات في الألعاب الأولمبية، ومنح تراخيص قيادة الطائرات للمرة الأولى في تاريخ المملكة.

في مجال المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة، تعزَّزت مكانة المرأة السعودية بتعيينها في مناصب قيادية غير مسبوقة، مثل منصب سفيرة للمملكة في الولايات المتحدة والنرويج والسويد، وغيرها، فضلاً عن تعيين 13 امرأة في هيئة حقوق الإنسان، وهو ما يُشكِّل نصف أعضائها. كما تولَّت المرأة وظائف كانت حكراً على الرجال، سواء في القطاع الحكومي أو الخاص، وشغلت مناصب قضائية بوظيفة «ملازم تحقيق» في النيابة العامة لأول مرة.

خادم_الحرمين_الشريفين يدشن ويضع حجر الأساس لعدد من المشروعات الصناعية والتنموية في مدينة الجبيل الصناعية في نوفمبر 2016 (واس)

كما شهدت قوانين الأحوال المدنية تعديلات كبيرة لصالح المرأة، بما في ذلك السماح لها بالحصول على سجل الأسرة لأبنائها القُصَّر، وإلغاء شرط أن يكون محل إقامة الزوجة المتزوجة هو محل إقامة الزوج. كما مُنحت المرأة حقوقاً مساوية للرجل في نظام العمل.

نتيجة لهذه الإصلاحات، اختيرت الرياض عاصمةً للمرأة العربية، بالتزامن مع ترؤس المملكة اجتماعات لجنة المرأة العربية.

على الصعيد الثقافي، يُعرَف الملك سلمان باطلاعه العميق على التاريخ واهتمامه بالفكر والثقافة. ويُعدُّ من أبرز الشخصيات التي أسهمت في توثيق تاريخ الجزيرة العربية والدولة السعودية.

أسس الملك مجلسه الأسبوعي ليكون منتدى للحوار مع المثقفين والمفكرين، وواصل دوره الثقافي برئاسة مجلس دارة الملك عبد العزيز، ومكتبة الملك فهد الوطنية. ومن أبرز إنجازاته الثقافية تأسيس معرض «المملكة بين الأمس واليوم» في الثمانينات، الذي جاب أكثر من 10 دول، منها الولايات المتحدة وكندا، وسلط الضوء على تاريخ المملكة وتراثها ومنجزاتها.

كما يُعرَف الملك في الأوساط الثقافية والأدبية بأنه «صديق الكُتَّاب والصحافيين». وفي هذا السياق ذكر ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في مقابلة عام 2018 أن الملك سلمان قارئ نهم للتاريخ، وكان يحرص على تعليم أبنائه من خلال إعطائهم كتباً ومناقشتها أسبوعياً، معلقاً على أهمية قراءة التاريخ لاكتساب خبرات وتجارب الأجيال السابقة.

بين إرث التاريخ وآفاق المستقبل

وفقاً لموسوعة «سعوديبيا» وُلد الملك سلمان بن عبد العزيز في الخامس من شوال عام 1354هـ، الموافق 31 ديسمبر 1935، بعد 3 أعوامٍ من توحيد والده الملك المؤسس جميع أجزاء الدولة السعودية في كيانٍ واحد.

نشأ في الرياض في كنف والده الملك عبد العزيز، ووالدته الأميرة حصة بنت أحمد السديري، وتلقّى تعليمه المبكر في مدرسة الأمراء، فدرس العلوم الدينية والحديثة، وختم القرآن الكريم كاملاً في سن العاشرة، وهي تجربةٌ رسّخت في شخصيته منذ نعومة أظفاره مبادئ المسؤولية والانضباط.

مناصب سابقة… ومسؤوليات حافلة

انخرط الملك سلمان في العمل الحكومي مبكراً، فعيِّن في إمارة الرياض بالإنابة عام 1954، وكان في التاسعة عشرة من عمره. وبعد فترة وجيزة، أُسندت إليه إمارة المنطقة عام 1955. وقتها كانت مدينة الرياض متوسطة الحجم ويقطنها نحو 200 ألف نسمة، فما لبث أن قاد واحدة من أكبر عمليات التطوير العمراني في المنطقة. توسَّعت المدينة وازدهرت على مختلف الأصعدة؛ من بنية تحتية، ومدارس، ومستشفيات، وجامعات، ومتاحف، ومنشآت رياضية، ما جعلها مركزاً حيويّاً للتجارة والسياحة والاستثمار. واستمرَّ في منصبه أميراً للرياض لأكثر من 50 عاماً، شارك خلالها في لجانٍ إغاثية، ولعب دوراً بارزاً في الشؤون الإنسانية والخيرية، بالإضافة إلى ترؤسه اجتماعات هيئة تطوير مدينة الرياض ومتابعته لخططها، لتترسّخ بذلك سمات «العمارة السلمانية»، التي تعكس روح الهوية السعودية.

خادم الحرمين الشريفين في قصر الحكم بمدينة الرياض 2019 (واس)

في عام 2011، تُوِّجت خبرته الإدارية الطويلة بتعيينه وزيراً للدفاع، فحرص على تطوير المنظومة العسكرية، وتوسيع الكليات والمعاهد، وابتعاث الأفراد والضباط إلى الدول المتقدمة في مجالات التصنيع العسكري. وفي عام 2012، اختاره الملك عبد الله وليّاً للعهد ونائباً لرئيس مجلس الوزراء ووزيراً للدفاع، فشكَّل وجوده إضافةً فاعلةً في إدارة شؤون الدولة وعلاقاتها الخارجية، حتى تمَّت مبايعته ملكاً في يناير 2015.

بزوغ حقبة التحوّل والتنمية الشاملة

منذ تولّيه مقاليد الحكم عام 2015، دخلت المملكة مرحلةً زاخرةً بالمشروعات التنموية والتشريعات الحديثة. في غضون 40 يوماً من تسلّمه الحكم، أصدر حزمةً من الأوامر الملكية لتعزيز كفاءة الأداء الحكومي، وتمكين جيل الشباب من القيادة. كما دعّم «رؤية السعودية 2030» التي يقودها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، فأسَّست لخطةِ تحوّلٍ وطني ترتكز على تنويع الاقتصاد، والارتقاء بالخدمات، وتحسين جودة الحياة، مع المحافظة على الهوية الوطنية والعمق التاريخي.

إرثٌ تاريخيٌّ بلمسةٍ عصرية

تتجلّى عناية الملك سلمان بالتراث والهوية في استمرارية الجهود التي ابتدأها في إمارة الرياض. فقد أُنشئت هيئاتٌ رسميةٌ للاهتمام بالمواقع التاريخية في السعودية، وأُدرج عددٌ منها ضمن قائمة التراث العالمي لـ«اليونيسكو»، وشُجّع تسجيل التراث غير المادي كالرقصات والفنون الشعبية والحرف اليدوية. ولم تقف هذه المشروعات عند حد التوثيق فحسب، بل امتدّت إلى تحويل المواقع الأثرية إلى نقاط جذبٍ سياحي، وإدماج قيم الثقافة في المناهج التعليمية، لينشأ جيلٌ يعي جذوره ويواكب العالم المعاصر في آنٍ واحد. وبذلك، أصبح الإرث ركيزةً لكل مشروعٍ حضاريٍّ يرصّع المدن السعودية الحديثة بطابعها الحضاري ورونقها التاريخي.

تحوّلاتٌ اجتماعيةٌ عميقة

شهدت الحياة الاجتماعية السعودية نقلةً نوعيةً في عهد الملك سلمان، حيث حظي الشباب ببرامج الابتعاث، وجرى دعم رواد الأعمال، وإنشاء حاضنات للمشروعات الناشئة وملتقيات للابتكار الثقافي. صاحَبَ ذلك انفتاحٌ ترفيهيٌّ أُعيدت خلاله دور السينما والمسارح، وقُدّمت مواسمٌ فنية وثقافية أعطت مساحةً للإبداع، وأسهمت في تعزيز الانتماء الوطني لدى مختلف فئات المجتمع.

بناء اقتصادٍ معرفي… وطفرةٌ في التقنيات المتقدّمة

انطلاقاً من «رؤية 2030»، سعت السعودية إلى تأسيس اقتصادٍ متنوعٍ ومزدهر، فجرى الاهتمام بالصناعات المتقدمة واستقطاب الشركات الكبرى والتكنولوجيا الحديثة، مع إطلاق مبادراتٍ وطنيةٍ للابتكار، ودعم مراكز الأبحاث والجامعات. تزامَنَ ذلك مع تطوير البنية الرقمية للحكومة وتحويل الخدمات والمعاملات إلى نُظمٍ إلكترونية، فاحتلّت المملكة مكانةً متقدّمةً في مؤشرات الابتكار والتحوّل الرقمي والحكومة الإلكترونية. كذلك أُنشئت الهيئات الداعمة لتوطين الصناعات العسكرية، ما عزز جاهزية القوات المسلحة، وخَلَقَ فرصاً جديدةً لتوظيف الكوادر الوطنية وتحفيز القطاع الخاص على الاستثمار في التقنيات المتقدّمة.

نحو مركزٍ عالميٍّ للأحداث والمؤسسات

حرصت الحكومة السعودية على خلق بيئةٍ جاذبةٍ للفعاليات الرياضية والثقافية والاقتصادية الدولية. فاستضافت المملكة بطولاتٍ كبرى في كرة القدم، وسباقات السيارات العالمية، ومنافسات التنس وغيرها، ما تطلّب تحديثاً هائلاً في البنية التحتية الرياضية والسياحية، وتطوير التشريعات لاستقطاب المستثمرين والجهات المُنظِّمة للفعاليات العالمية. وعلى الصعيدَين الثقافي والاقتصادي، رُوِّج للمملكة بوصفها وجهةً مفضلةً للسياحة والأعمال، بفضل توفر شبكات نقلٍ متطورة وخدماتٍ فندقيةٍ دولية، ما رسَّخ موقعها بوصفها قوةً إقليميةً ودوليّةً لمختلف الفعاليات والمؤتمرات.

«رؤية 2030»: خريطة طريقٍ… ومستقبلٌ واعد

تُمثّل «رؤية السعودية 2030» جوهر عملية التحوّل التنموي الشامل. فمنذ إطلاقها، شرعت المملكة في تنفيذ مشروعات كبرى للطاقة المتجددة والصناعات التحويلية والبنية التحتية اللوجيستية والسياحية، بالإضافة إلى تحفيز القطاع الخاص، وخلق مساحاتٍ للاستثمار والتوظيف في مجالات الصحة والتعليم والإسكان. توازت هذه المسارات مع جهودٍ متواصلة في حماية البيئة، وتنمية الغطاء النباتي، وتعزيز الصحة العامة، وتشجيع الرياضة. ومع دخول عام 2025، تُظهِر المؤشرات توجّهاً متسارعاً نحو بناء قاعدةٍ اقتصاديةٍ أكثر تنوعاً واعتماداً على التكنولوجيا والمعرفة، مع ترسيخ قيم الاستدامة والحفاظ على البيئة، بغية الوصول إلى مجتمعٍ حيويٍّ واقتصادٍ مزدهرٍ ووطنٍ طموح.


المصدر : وكالات

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

عاجل