سلّطت عملية توقيف مسؤول أمني ليبي في إيطاليا -قبل إطلاق سراحه- الضوء على بعض الأشخاص المطلوبين لـ«الجنائية الدولية»، وفق قائمة كان المدعي العام للمحكمة كريم خان، قد أعلن عنها، بينما يتحدث حقوقيون عن «قائمة سرية» ربما تطول «متورطين في انتهاكات حقوقية»، وتحول مطالب «الجنائية الدولية» إلى سلاح قوي يطارد عدداً من المتهمين بـ«التعذيب» في ليبيا.
وأعلنت المحكمة الجنائية الدولية (الأربعاء) أنها أصدرت مذكّرة توقيف بحق آمر جهاز الشرطة القضائية في ليبيا، أسامة نجيم، الملقب بـ«المصري»، بتهم ارتكاب «جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية»، قبل أن تُخلي إيطاليا سبيله.
كانت السلطات الإيطالية قد أوقفت المشتبه به في مدينة تورينو (الأحد)، لكنها أخلت سبيله يوم الثلاثاء، «من دون إشعار مسبق أو استشارة المحكمة»، وفق ما جاء في بيان للمحكمة التي تتّخذ من لاهاي مقراً لها.
وفي بيانها لفتت المحكمة إلى أنه في 18 يناير (كانون الثاني) الجاري، أصدرت الدائرة التمهيدية الأولى للمحكمة الجنائية الدولية بالأغلبية، مذكرة توقيف بحق نجيم، لكن السلطات الإيطالية أطلقت سراحه.
ورغم أن نجيم عاد إلى طرابلس واستقبله مقربون منه بالترحاب والاحتفال، فإن عملية اعتقاله ثم إطلاق سراحه سريعاً، شجّعت البعض على الحديث عن وجود «صفقة» بين السلطتين في طرابلس وروما، لكن هناك من يرى أن «الجنائية الدولية» ستظل مع ذلك «سلاحاً وسيفاً مسلطاً» على رقاب «متهمين» بارتكاب جرائم تتعلق بسجناء ومهاجرين غير نظاميين.
ويرى حقوقيون ليبيون أن المحكمة الجنائية «ستنشط خلال الأيام المقبلة لاعتقال مطلوبين». وتضم القائمة المعلن عنها 6 مطلوبين، بالإضافة إلى سيف الإسلام، نجل الرئيس الراحل معمر القذافي.
ورجّح علي العسبلي، مدير «مؤسسة رصد الجرائم في ليبيا»، تحرك «الجنائية الدولية» حيال هؤلاء المطلوبين، «لأنهم سيغلقون التحقيقات مع نهاية 2025، كما أعلن خان قبل ذلك».
ويرى العسبلي، الذي قدم كلمة أمام مجلس الأمن الدولي منتصف ديسمبر (كانون الأول) الماضي عن حالة حقوق الإنسان في ليبيا، في حديثه إلى «الشرق الأوسط» أن «هذا سيترتب عليه وجود مذكرات توقيف ضد المتهمين في كل القضايا، التي أغلق التحقيق فيها».
وتشمل قائمة المطلوب اعتقالهم وفق ما أعلنت المحكمة، أمس (الأربعاء)، سيف القذافي، وعبد الرحيم خليفة الحجاجي، ومخلوف أرحومة دومة، وناصر مفتاح ضو، ومحمد الصالحين السالمي، وعبد الباري عياد الشقاقي، وفتحي فرج الزنكال.
وأعربت المحكمة عن استغرابها من إفراج السلطات الإيطالية بشكل مفاجئ عن نجيم، وأوضحت أنها قامت بنقله إلى ليبيا دون إخطارها، مما أثار تساؤلات حول مدى التزام إيطاليا بالتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية.
من جهتها، رحّبت «المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان» في ليبيـا، بإعلان المحكمة الجنائية إصدارها مذكرة اعتقال علنية بحق نجيم، مدير مؤسسة الإصلاح والتأهيل طرابلس الرئيسية (سجن معيتيقة في طرابلس)، بتهم «ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية».
وعبَّرت المؤسسة في تصريح صحافي عن «خيبة الأمل الكبيرة»، نيابةً عن «الناجين والضحايا المتضررين من قرار السلطات الإيطالية إطلاق سراح نجيم، والسماح بعودته إلى ليبيا»، وعدَّت الخطوة «صفقة سياسية». مجددةً مطالبتها السلطات الليبية، ممثلةً في حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، ومجلس النواب، ومكتب النائب العام، والمجلس الأعلى للقضاء، بالتعاون الكامل مع «الجنائية الدولية»، واعتقال جميع المطلوبين وتسليمهم لضمان محاكمتهم، وفق المعايير الدولية.
كما طالبت المؤسسة «جميع الدول التي يوجد بها بعض المطلوبين، سواء كان ذلك بناءً على مذكرات اعتقال صادرة عن المحكمة، أو عن مكتب النائب العام بتسليمهم للسلطات الليبية؛ وعدم تمكنيهم من الفرار من العدالة».
من جهتها، طالبت «منظمة رصد الجرائم في ليبيا» السلطات الإيطالية وجميع الدول الأطراف في نظام روما الأساسي بـ«الوفاء بالتزاماتها تجاه المحكمة الجنائية الدولية، وتسليم المتهمين المطلوبين إليها، لضمان محاكمتهم»، وفق المعايير الدولية للمحاكمة العادلة.
ويُعتقد أن نجيم هو مدير مركز احتجاز معيتيقة في طرابلس، وهو ملاحَق بتهم تشمل القتل والاغتصاب، والعنف الجنسي والتعذيب، منذ 15 فبراير (شباط) 2015.
كما تتهم المحكمة الجنائية سيف الإسلام بالمسؤولية عن عمليات «قتل واضطهاد ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية» بحق مدنيين، خلال أحداث «ثورة 17 فبراير»، التي أسقطت نظام والده في ليبيا.
كانت المحكمة الجنائية قد كشفت في الخامس من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي عن مذكرات اعتقال بحق 6 أعضاء في ميليشيا «الكانيات» في مدينة ترهونة (90 كيلومتراً جنوب شرقي طرابلس)، التي سيطر عليها لفترة «الجيش الوطني»، بقيادة المشير خليفة حفتر.
ووجَّهت المحكمة إلى الستة تهم «ارتكاب جرائم حرب تشمل القتل والتعذيب، والمعاملة القاسية والعنف الجنسي، كما اتُّهم بعضهم بالاغتصاب».
المصدر : وكالات