قبل كارثة تشيرنوبيل (Chernobyl) النووية الإشعاعية يوم 26 أبريل 1986، عاش الاتحاد السوفيتي خلال خمسينيات القرن الماضي على وقع حادثة إشعاع نووي أخرى بمجمع ماياك (Maïak) النووي. وبسبب تواجد المجمع النووي على مقربة من مدينة كيشتيم (Kychtym) بمنطقة تشيليابينسك أوبلاست (Chelyabinsk Oblast)، لقبت هذه الكارثة النووية بكارثة كيشتيم نسبة للمدينة.
إهمال إجراءات السلامة
مع نهاية الحرب العالمية الثانية، عانى البرنامج النووي العسكري السوفيتي من تأخر واضح مقارنة بنظيره الأميركي. وضمن برنامج عاجل لإنتاج كميات وفيرة من اليورانيوم والبلوتونيوم المخصص لأغراض عسكرية، أنشأ السوفييت على عجل مجمع ماياك النووي ما بين عامي 1945 و1948. إلى ذلك، أهمل الخبراء والفيزيائيون السوفييت العديد من عوامل السلامة أثناء إنشاء هذا المجمع. فإضافة لموقعه الجغرافي السيئ، لم يمتلك مجمع ماياك النووي مكانا ملائما للتخلص من الفضلات النووية السائلة. وبسبب ذلك، لجأ الخبراء السوفييت لإلقاء هذه المواد المشعة بالوديان القريبة التي كانت تصب بالمحيط المتجمد الشمالي.
صورة لغورباتشوف
خلال العام 1953، أنشأ السوفييت مكانا لتخزين المواد المشعة السائلة بهذا الموقع النووي. وبسبب درجات الحرارة العالية التي تميزت بها هذه المواد المشعة، جهّز السوفييت مواقع التخزين بعدد ضئيل من أجهزة التبريد.
270 ألف متضرر
أواخر شهر سبتمبر 1957، تعطل جهاز التبريد بأحد مواقع تخزين المواد المشعة. وحسب بعض التقارير التي صدرت بالسنوات التالية، احتوى هذا الموقع على أكثر من 70 طنا من المواد المشعة. وتزامنا مع ارتفاع درجة حرارة هذا الموقع لأكثر من 350 درجة مئوية، شهدت المنطقة انفجارا، هائلا عادلت شدته ما بين 70 و100 طن من الديناميت، قذف بالغطاء الخرساني للموقع، المقدر وزنه بحوالي 160 طنا، بالجو.
على إثر هذا الانفجار، ارتفعت نسبة من المواد المشعة بالجو فضلا عن ذلك غطى التسرب الإشعاعي مناطق قدرت مساحتها بحوالي 20 ألف كلم مربع.
وسعيا منه لإخفاء حقيقة ما حصل بالمنطقة، باشر الاتحاد السوفيتي يوم 6 تشرين الأول/أكتوبر 1957، أي بعد نحو أسبوع كامل من وقوع الكارثة، بمهمة إجلاء حوالي 10 آلاف ساكن تزامنا مع هدمه لآلاف المنازل بالمنطقة القريبة من موقع الانفجار. وأثناء عملية الإجلاء، وجد المهجرون أنفسهم أمام أعداد كبيرة من الجنود الذين طالبوهم بالمغادرة دون تقديم أي تفسير لما يحصل. من ناحية أخرى، تعرض حوالي 270 ألف شخص من السكان القاطنين بالقرى غير البعيدة عن موقع الانفجار للإشعاعات النووية. وبالسنوات التالية، أصيب عدد هام منهم بتشوهات وأمراض مختلفة كان أبرزها السرطان.
لوحة تذكارية لكارثة كيشتيم عام 1957
على مدار سنوات، أخفى الاتحاد السوفيتي حقيقة كارثة كيشتيم النووية. وقد انتظر الجميع منتصف السبعينيات ليتفاجأوا بمدى هول الكارثة بفضل تقرير قدمه الفيزيائي والبيولوجي السوفيتي اللاجئ ببريطانيا زوريس مدفيديف (Zhores Medvedev) الذي كتب مقالا بإحدى الصحف البريطانية حول ما حصل عام 1957. من جهة أخرى، أنكر الاتحاد السوفيتي هذا الحدث لسنوات أخرى قبل أن يعترف بمستجداته بحلول العام 1988 أثناء فترة حكم ميخائيل غورباتشوف.