كشف الكاتب المصرى أحمد عبد اللطيف، الذى وصلت روايته “عصور دانيال في مدينة الخيوط” إلى القائمة الطويلة، فى جائزة البوكر العالمية للرواية العربية، فى دورتها لعام 2023، إن فكرة الرواية بدأت بكتابة يوميات كانت النبتة الأولى للعمل حتى جاءتني فكرة مدينة الدمى
وقال أحمد عبد اللطيف، خلال حوار أجرته معه جائزة البوكر العالمية للرواية العربية، عبر موقعها الرسمى، أن فكرة رواية “عصور دانيال في مدينة الخيوط” كانت تدور في ذهني فكرة الأرشيف والمدينة التحتية المختبئة، التي تدير العالم في الخفاء، منذ سبع سنوات تقريبًا، إذ يبدو لي أن العالم ليس هذا السطح الذي نراه، وإنما طبقات متراكمة من العمق كلما توغلنا فيه اكتشفنا طبيعة الأشياء. والمدينة، القاهرة، هي نموذج المدينة متعددة الطبقات، متراكمة التاريخ والأحداث.
وأضاف أحمد عبد اللطيف: ثمة قاهرة يعرفها السياح، وقاهرة يعرفها سكانها، وقاهرة ثالثة يعرفها بشكل مختلف أهل السلطة والنفوذ، وبالطبع هناك القاهرة المهمشة والعشوائية. وذات يوم من عام 2019 هُيئ لي وأنا أتجول بمنطقة الدقي بوسط المدينة أن هؤلاء المارة، الباعة والسيارات ومحطات المترو، المسرعون والمتهادون في خطاهم، لا يتحركون بمحض إرادتهم، وأن أفعالهم تتبع يدًا خفية.
وتابع أحمد عبد اللطيف: من هنا تخيلت أننا جميعًا ماريونت تحركنا هذه اليد بخيوط غير مرئية، تحركنا مصائرنا وتوجهنا لقِبلتنا النهائية، لا نملكها نحن كما نتصور، وإنما يملكها آخرون يتمتعون بصفة لا نتمتع بها: أنهم محجوبون وراء ساتر، أنهم يروننا بدون أن نراهم. ولدت هذه الفكرة في فترة كنت أسترجع فيها سنوات طفولتي بكل ما حدث فيها من أحداث قاسية ومؤسفة، وكنت أجتهد لأتذكر أحداثًا تعمدت خلال سنوات طويلة أن أنساها، أهمها على الإطلاق حدث اعتداء جنسي على طفل في مدرسة دينية، وهو موضوع مسكوت عنه اجتماعيًا رغم خطورته. هكذا تكوّن العالم السردي بمزيج من السيرة والخيال والذاكرة، وكان دانيال هو الشخصية التي ربطت بين الطفل والمدينة، صوت الطفل ورؤيته للمدينة من منظوره كطفل مُغتَصَب.
وحول المدة التى استغرقها أحمد عبد اللطيف فى كتابة الرواية، قال: استغرقت الكتابة ثلاث سنوات تقريبًا، منذ منتصف 2019 وحتى مايو 2022، لكن سبق كتابتها في شكلها الروائي يوميات تتكوّن من نصوص صغيرة تحاول جمع ذكريات الطفولة في مادتها الأولى البريئة كأحداث ثم التأمل حولها وربط كل حدث بالآخر. هذه اليوميات كانت النبتة الأولى للعمل حتى جاءتني فكرة مدينة الدمى ليتحوّل الواقع إلى فن، والملموس إلى استعارة. أثناء ذلك كنت أقيم في القاهرة، لكني كنت أتنقل بين القاهرة ومدريد. وكما بدأتها في القاهرة أنهيتها فيها.
رواية عصور دانيال في مدينة الخيوط
وحول طقوس الكتابة لديه، قال أحمد عبد اللطيف، أحب فكرة الطقوس بشكل عام، لأنها تمنح لكل شيء خصوصيته، وتشكّل نوعًا من استحضار الشيء ومناداته. في يومي العادي، أحب الاستيقاظ مبكرًا، في الخامسة أو السادسة صباحًا. أحب بدء الكتابة وأنا في مرحلة ما بين النوم واليقظة، في لحظة يكون الذهن فيها عائدا من رحلة حلمية ولم يلمس الأرض بعد. أكون حينها في صفاء وطمأنينة هما مفتاحي للكتابة. بعد نصف ساعة تقريبًا أستسلم للصحيان التام وأواصل الكتابة مع القهوة، أمنح الصباح كاملًا لإكمال الفكرة التي شرعت في خطها وعادة ما يتولد منها أفكار أخرى. الصباح هو عزلتي المحببة، والكتابة ابنة نور النهار. أواصل الكتابة حتى الحادية عشرة تقريبًا، ثم أشرع في أعمال أخرى مثل الترجمة او الكتابة الصحفية، وبالليل أفضّل القراءة ومشاهدة الأفلام. وفي خلفية اليوم، أثناء الكتابة وبعدها، تصدح الموسيقى الكلاسيكية طول النهار بدون توقف، وأختار ما يناسب منها نصي السردي. “عصور دانيال” مقطوعتها الموسيقية هي رومانس لارجيتو، كل الرواية كُتِبت على هذا الإيقاع.
وحول مشروعه الأدبي المقبل بعد رواية “عصور دانيال في مدينة الخيوط”، قال أحمد عبد اللطيف: بدأت في كتابة رواية أخرى أظنها منطقة جديدة في كتابتي، إذ يسودها الفكاهة والسخرية في السرد رغم الأحداث المؤلمة التي تتناولها. بشكل عام، هي قراءة متأملة في مدينة القاهرة، وهي استكمال من زاوية أخرى لمشروعي في الكتابة عن المدينة وتحولاتها ومصير الفرد بداخلها.
“عصور دانيال في مدينة الخيوط” رواية دستوبية رمزية حول نهاية العالم، تدور أحداثها في مدينة بلا اسم، مدينة الخيوط أو الدمى، هي ربما صورة سوداوية من القاهرة. نرى في افتتاحية الرواية، مشهداً مرعباً لرجال عراة مذبوحين، مطروحين حول نافورة، على شكل زهرة. الجثة الوحيدة التي قُتل صاحبها رميا بالرصاص ولم تكن عارية هي جثة دانيال، وتعود بنا الرواية إلى الماضي لاكتشاف أسباب كل ذلك.
نجد في الرواية أكثر من دانيال: دانيال الأول ودانيال الثاني، ويمثل كل واحد مرحلة من حياته. يعمل دانيال الثاني في أرشيف مرعب حيث توضع ملفات تحتوي معلومات عن جميع سكان المدينة. يقرأ دانيال الثاني ملف دانيال الأول، وهو دانيال الطفل الذي عاش قبل الطوفان، وتعرّض للانتهاك الجنسي ، قبل أن ينتقم من المدرِّس الذي اعتدى عليه. تتميز الرواية بأسلوب سردي ولغة متفرِّديْن، حيث يعمد الكاتب لاستخدام اللوازم المتكررة بكثرة، كما ينبذ علامات الترقيم تماما حين يتكلم دانيال الثاني، مما يعزِّز الخاصية الكابوسية والممعنة في الغرابة للرواية.
أحمد عبد اللطيف روائي ومترجم وصحفي وباحث مصري من مواليد القاهرة، مصر، عام 1978. يقيم حاليًا بمدريد، أسبانيا. حصل على الليسانس في اللغة الأسبانية وآدابها، وعلى الماجيستير في الأدب العربي، ويعدّ رسالة دكتوراة في الرواية العربية في جامعة أوتونوما دي مدريد. صدر له سبع روايات ومجموعة قصصية. فازت روايته الأولى “صانع المفاتيح” (2010) بجائزة الدولة التشجيعية بمصر عام 2011، وفازت روايته الثالثة “كتاب النحات” (2013) بجائزة ساويرس الثقافية عام 2015، وترشحت روايته الخامسة “حصن التراب” (2017) إلى القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية في العام 2018 وتُرجمت إلى اللغة الأسبانية عام 2019، كما وصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة ساويرس الثقافية عام 2020. والكتاب القصصي بعنوان: “مملكة مارك زوكربيرج وطيوره الخرافية” (2021) وفاز بجائزة ساويرس الثقافية فرع القصة القصيرة عام 2022. يكتب أحمد عبد اللطيف ويترجم في الصحافة الثقافية منذ 2003، وترجم من الأسبانية إلى العربية ما يفوق ثلاثين عملاً. فاز عام 2013 بجائزة المركز القومي للترجمة في مصر عن ترجمته لرواية “الكون في راحة اليد” لجيوكوندا بيلي.
المصدر : اليوم السابع