استطاعت إيران، عبر أكثر من سبيل، الالتفاف على العقوبات القاسية التي فرضتها عليها الولايات المتحدة بسبب برنامجها النووي، وتمكنت من البقاء رغم العقوبات، ولكن الأمر لم يمر دون تبعات شديدة على اقتصاد البلاد. وتواجه روسيا موقفاً مماثلاً، في ظل العقوبات الشاملة التي فرضها عليها الغرب، الاتحاد الأوروبي وأميركا، فهل تتعلم موسكو درس البقاء من طهران؟
لتوضيح هذا الأمر بالتفصيل، نشرت وكالة بلومبرغ للأنباء تحليلاً، استهلته بنصيحة للشركات الروسية حول التكيف مع العقوبات والنجاة منها. ويقدم النصيحة مؤسس واحدة من أوليات الوكالات الإعلانية في إيران، التي تركز على العمل عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والذي يضيف أن «الأمر سيكون قاسياً».
ويقول الرئيس التنفيذي لوكالة «كليك للتصميمات والابتكار»، أحمد نوروز، إن الأمر استغرق بعض الوقت لتقبل فكرة أن عملاء الوكالة من الشركات متعددة الجنسيات ذهبوا إلى غير رجعة، ولكن وكالته سرعان ما عثرت على بدائل محليين، ورغم ذلك ظلت المعضلة هي تدهور العائدات السنوية من 2.3 مليون دولار قبل إعادة فرض العقوبات على إيران في 2018، إلى 285 ألف دولار حالياً.
دراسة حالة
وتشير بلومبرغ إلى أن حجم الاقتصاد الروسي هو سبعة أمثال نظيره الإيراني. ومع ذلك، تقدم إيران، التي يبلغ عدد سكانها 84 مليون نسمة، لروسيا أقرب دراسة حالة لما يمكن أن يحدث مستقبلاً في ظل العقوبات التي فرضت على موسكو إثر غزوها لأوكرانيا.
وتعرضت طهران لحظر وعقوبات اقتصادية منذ أزمة الرهائن الأميركيين في عام 1979، وزادت هذه العقوبات شدة منذ الكشف عن البرنامج النووي السري لطهران. وأدت العقوبات مرتين إلى انفصال شبه كامل لاقتصاد إيران عن الاقتصاد العالمي، وكان ذلك في عامي 2012 و2018، وكلفها ذلك خسارة 5% و3.5% من إجمالي الناتج المحلي للبلاد في العامين التاليين.
والدرس الرئيس الذي استوعبه مسؤولو روسيا بشغف، هو بقاء الدولة والنظام، دون الإذعان في ما يتعلق بالسياسة الخارجية. وربما تقدم التجربة الإيرانية مزيداً من النصح لروسيا، من تهريب التقنيات الصناعية على نطاق واسع، إلى استغلال ثغرات العقوبات.
مقارناتوقال مسؤول روسي كبير إن زملاءه يعقدون مقارنات بشكل متزايد مع تجربة إيران، كمنتج رئيس للنفط يخضع لعقوبات. وأضاف المسؤول، الذي طلب عدم الإفصاح عن هويته بسبب حساسية الموضوع، أن الحياة ستكون صعبة في بداية الأمر، ولكن الاقتصاد سيأخذ في النمو لاحقاً، كما حدث في تسعينات القرن الـ20 عقب انهيار الاتحاد السوفييتي، وأكد المسؤول: «العقوبات ليست مخيفة إلى هذا الحد».
وهذا صحيح إذا تعلق الأمر بالتجربة الإيرانية، فلقد تكيف الاقتصاد مع العقوبات، واستمرت الحياة، ولكن الكلفة كانت باهظة في ما يتعلق بالظروف المعيشية، وإمكانات تحقيق النمو.
ونجحت جهود تعويض الواردات في ظل العقوبات، ولكن بشكل جزئي. ولم تستطع إيران، على سبيل المثال، شراء طائرات حديثة، ووقفت تشاهد في حسد روسيا، وجارتها تركيا، وهما تقومان بشراء أو تأجير أساطيل من الطائرات لتطوير الناقل الجوي الوطني لديهما، وتوسيع تجارتهما الخارجية، وتعزيز نفوذهما.
أحلام متبخرة
وإثر توقيع الاتفاق النووي لعام 2015 بين إيران والقوى الغربية، أعلنت طهران عن مشروع بقيمة 40 مليار دولار لشراء أسطول خاص من الطائرات «بوينغ» و«إيرباص»، ولكن المشروع ذهب أدراج الرياح، مع ما أصاب الاتفاق لاحقاً، عقب انسحاب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب منه في 2018، وأعاد فرض العقوبات على إيران.
وبنهاية عام 2019، كان تأثير العقوبات على إنتاج وتصدير النفط قوياً، ولكنه بدأ في التعافي خلال العام الجاري، حيث تحول انتباه أميركا إلى روسيا.
وزادت التكاليف على إيران جراء الاعتماد الواسع على الصين، بسبب عدم وجود خيارات أخرى لشراء البضائع، بحسب ما ذكره المدير العام السابق بشركة النفط الوطنية الإيرانية محمود خاقاني، الذي أضاف أن استمرار العقوبات أدى إلى وجود مصالح راسخة، حيث حصدت قلة من الأثرياء الأقوياء في إيران الأرباح جراء احتكار الواردات.
وأوضح خاقاني: «تمتلك إيران الكثير من الثروة المعدنية، والذهب، والنحاس، والحديد، ولا يعرف أحد من يقوم بتصدير هذه المواد، أو من يجني الأرباح من ذلك».
تعديلات
وقامت روسيا بتعديلات نتيجة لأنها كانت هدفاً للعقوبات الأميركية والأوروبية منذ قامت موسكو بضم شبه جزيرة القرم من أوكرانيا في عام 2014، رغم أن هذه العقوبات وصلت هذا العام فحسب لمستوى تلك التي فرضت على إيران. وإلى جانب ذلك، هناك بالطبع اختلافات شاسعة بين إيران وروسيا، فالأخيرة دولة أكبر بكثير من حيث المساحة، وهي مسلحة نووياً، ويبلغ عدد سكانها أكثر من 144 مليون نسمة.
كما أن روسيا أكثر اندماجاً في الاقتصاد العالمي، وهو ما يعني أن خسائرها ستكون أكبر من خسائر إيران، حال انفصالها عن العالم. وقد انهارت بالفعل صناعة السيارات القوية في روسيا، نتيجة الاضطراب القوي في سلاسل الإمدادات المتعلقة بالصناعة.
ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يسجل الاقتصاد الروسي انكماشاً بنسبة 8.5% هذا العام.
العامل الصيني
وفي ظل العقوبات على إيران، كانت الصين عاملاً رئيساً لاستمرار صادرات طهران من النفط، بحسب ما نقلته بلومبرغ عن هومايون فالاكشاهي، المحلل البارز في مجال النفط والغاز الإيرانيين بشركة «كبلير» لبيانات السلع والتحليلات، والذي يرى أن ذلك درس قد استخلصته روسيا بالفعل لنفسها.
ورغم ذلك، هناك بعض الميادين التي يمكن لخبرة إيران في مجال العقوبات أن تقدم درساً أو اثنين لروسيا.
والدرس الأول هو أنه بينما يمكن للإعفاء من العقوبات، وارتفاع أسعار النفط، تحييد التداعيات على إيرادات الموازنة، ستتفكك هذه الدفاعات بمجرد انخفاض الأسعار.
أما الدرس الثاني، فهو يتعلق بالشبكة المعقدة التي أقامتها إيران للتحايل على العقوبات.
ومن المهم أيضاً الخبرة التي اكتسبتها إيران في تناوب إغلاق آبار النفط لديها، حيث يمكن حدوث أضرار دائمة للآبار حال استمر الإغلاق أشهراً عدة.
وفي ظل وجود عمليات إنتاج النفط الروسي شمال الأورال، حيث الشتاء القارس، تصبح المشكلة أكثر حدة من صحارى إيران الساخنة، حيث يظل النفط الخام أقل لزوجة. وقال فالاكشاهي، إن «مثل هذا الخفض الكبير في الإنتاج لم يحدث مطلقاً في روسيا». ومن شأن درجات الحرارة المنخفضة، وتعرض روسيا لمزيد من اضطرابات سلاسل التوريد العالمية، خلق تحديات أمام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لم تشهدها إيران.
• روسيا أجرت تعديلات لأنها كانت هدفاً للعقوبات الأميركية والأوروبية منذ قامت موسكو بضم شبه جزيرة القرم من أوكرانيا في عام 2014.
• حجم الاقتصاد الروسي هو 7 أمثال نظيره الإيراني. ومع ذلك، تقدم إيران التي يبلغ عدد سكانها 84 مليون نسمة، لروسيا أقرب دراسة حالة لما يمكن أن يحدث مستقبلاً في ظل العقوبات التي فُرضت على موسكو إثر غزوها لأوكرانيا.
• الدرس الرئيس الذي استوعبه مسؤولو روسيا بشغف، هو بقاء الدولة والنظام، دون الإذعان في ما يتعلق بالسياسة الخارجية. وربما تقدم التجربة الإيرانية مزيداً من النصح لروسيا، من تهريب التقنيات الصناعية على نطاق واسع، إلى استغلال ثغرات العقوبات.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news