ترمب ينجح في هزيمة هاريس ويعود إلى البيت الأبيض رغم كل العقبات
ثبتت صحة كل التكهنات والاستطلاعات التي أشارت على مدى الأشهر الماضية إلى أن انتخابات الرئاسة الأميركية ستحسمها الولايات المتأرجحة. ورغم أنها كانت حذرة جداً في تأكيد مَن الذي سيفوز، دونالد ترمب أم كمالا هاريس، غير أن الكثير من الخبراء عدَّ الأمر مؤشراً على أن ترمب قد يكون في طريقه لتحقيق الفوز، في ظل عجز هاريس عن إحداث اختراق حقيقي في استطلاعات الرأي، يكسر على الأقل هامش الخطأ الذي كان يلغي عملياً صعود أرقامها وهبوطها.
ومع توالي صدور النتائج الأولية، كان فوز ترمب بولايتي نورث كارولينا وجورجيا في الساعات الأولى بعد بدء فرز الأصوات، مؤشراً كافياً على أنه كان في طريقه لتجديد ما حققه عام 2016، عندما هزم «المرأة» الثانية التي تحدته، مكتسحاً غالبية الولايات المتأرجحة، الواحدة تلو الأخرى. وبدا أن الديمقراطيين قد أساءوا تقدير قوة ترمب في ولايات الجدار الأزرق، على الرغم من أن الاستطلاعات كانت تشير إلى أن تقدمه في أوساط الذكور، قد يمكنه من التغلب على تقدم هاريس لدى الإناث وحرمانها من الاستفادة من هذه الشريحة الكبيرة في السباق.
وصعد ترمب إلى المنصة في ولايته فلوريدا في الساعة 2:30 صباحاً، الأربعاء، وأعلن النصر بعد فوزه بثلاث ولايات حاسمة – كارولينا الشمالية وجورجيا وبنسلفانيا. وقال ترمب لأنصاره الذين تجمعوا في منتجع بالم بيتش بولاية فلوريدا: «لقد أخبرني الكثير من الناس أن الله أنقذ حياتي لسبب، وكان هذا السبب هو إنقاذ بلدنا واستعادة أميركا إلى عظمتها. والآن سنحقق هذه المهمة معاً».
وقال ترمب لأنصاره: «سأقاتل من أجلكم، وبكل نَفَس في جسدي، ومعاً يمكننا حقاً أن نجعل أميركا عظيمة مرة أخرى لجميع الأميركيين». وأضاف: «لن أخذلكم، وسيكون مستقبل أميركا أكبر وأفضل وأكثر جرأة وثراءً وأماناً وقوةً مما كانت عليه من قبل، ولن أرتاح حتى نجعل أميركا قوية وآمنة ومزدهرة، والتي يستحقها أطفالنا والتي تستحقونها، وسنساعد بلدنا على التعافي».
وخلال خطابه الذي استغرق قرابة 25 دقيقة، وصف ترمب حملته بأنها أعظم حركة سياسية على الإطلاق ولم يشهد أحد مثلها من قبل، وأكد أن انتخابه لولاية ثانية يبشّر ببداية العصر الذهبي لأميركا. وقال: «لدينا بلد يحتاج إلى المساعدة بشدة، سنصلح كل شيء في بلدنا، سنصلح الحدود، وقد تغلبنا على عقبات لم يعتقد أحد أنها ممكنة ومن الواضح أننا حققنا أعظم إنجاز سياسي، إنه انتصار سياسي لم تشده بلادنا من قبل»، وتعهد ترمب أنه سيوقف الحروب ولن تخوض الولايات المتحدة الحروب أبداً، قائلاً: «لم نخض أي حروب لمدة أربع سنوات باستثناء أننا هزمنا (داعش)».
وأظهر ترمب نبرة موحدة للأميركيين، واعداً بوضع الانقسامات في الماضي، وقال: «لقد حان الوقت لوضع انقسامات السنوات الأربع الماضية خلفنا. لقد حان الوقت للتوحد، النجاح سيجمعنا معاً». وتعهد بالوفاء بتعهداته الانتخابية.
هاريس المنهزمة
وبينما احتفل أنصار ترمب بالانتصار والفوز، كان المشهد في جامعة هوارد في العاصمة واشنطن مختلفاً، حيث ساد الوجوم والحزن وجوه أنصار هاريس، وترك أنصار هاريس حفل مراقبة الانتخابات بحلول منتصف الليل. وأعلن سيدريك ريتشموند، مستشار حملة هاريس، أنها ستوجّه كلمة للأميركيين في وقت لاحق.
لم ينطق ترمب في خطابه باسم منافسته – نائبة الرئيس كامالا هاريس – بعد أن تبادل المرشحان الانتقادات اللاذعة والشخصية ضد بعضهما بعضاً حتى الأيام الأخيرة التي شهدت تنافساً بين أجندة ترمب وأجندة هاريس فيما يتعلق بقضايا الاقتصاد والهجرة والديمقراطية. وقد روَّجت هاريس طوال حملتها على إثارة المخاوف من مجيء ترمب إلى السلطة مرة أخرى، ووصفته بأنه تهديد للديمقراطية.
وتقدم ترمب على هاريس بين الرجال بنسبة 55 في المائة، مقابل 41 في المائة. ومع النتائج المتعادلة التي أظهرتها الاستطلاعات، كان الأمر كافياً لترمب لتحقيق التقدم، ويفوز بالفعل، في محاولته الثانية من ثلاث محاولات؛ مما يشير مرة أخرى إلى أن الكثير من الناخبين يجدون صعوبة في تصور امرأة في البيت الأبيض. وحتى عندما هزم ترمب عام 2020، فقد نجح في استقطاب شريحة من الناخبين فاتتهم استطلاعات الرأي، وهم الشباب الذكور، الذين بدا أنهم هم من غذى الفجوة بين الجنسين، على حساب هاريس.
ترمب يتغلب على الصعوبات
وعلى الرغم من إنهاء فترة ولايته الأولى بصفته واحداً من أقل الرؤساء شعبية في الخمسين عاماً الماضية بعد هزيمته عام 2020، وأعمال الشغب في 6 يناير (كانون الثاني) في مبنى الكابيتول، فإن نحو نصف الناخبين قالوا إنهم يوافقون على العمل الذي قام به عندما كان رئيساً. ورغم الأعباء التي يحملها، من قضايا وإدانات جنائية، فقد تمكن من تجاوزها، وقدم نفسه للناخبين الغاضبين من اتجاه البلاد في عهد بايدن وهاريس. وبحسب آخر استطلاع جرى الأحد، وجد 74 في المائة من الناخبين أن البلاد تسير في اتجاه خاطئ. وتشير التجارب إلى أنه منذ عام 1980، إذا كانت استطلاعات الرأي تشير إلى هذه النسبة المرتفعة، فهذا يعني أن الحزب الحاكم سيخسر السباق الرئاسي، وهذا ما حصل.
الاقتصاد والهجرة
وبدا أن خطابه حول الاقتصاد، قد وجد صدى كبيراً، وعبَّر عن مدى قلق الناخبين، حيث قال 75 في المائة من الناخبين إن الاقتصاد في حالة سيئة. واستند ترمب إلى صورته باعتباره المرشح الأفضل قدرة للتعامل مع الاقتصاد، وخصوصاً في ولايات الجدار الأزرق، بنسلفانيا وميشيغان وويسكونسن، حيث تضرر الناخبون بشدة بسبب التضخم. كما عمل على الترويج لخططه بشأن الرسوم الجمركية وخططه للترحيل الجماعي، مهاجماً في الوقت نفسه هاريس، بسبب مواقفها المتغيرة بشأن التكسير الهيدروليكي، وهي قضية سياسية رئيسية في ولاية بنسلفانيا بسبب صناعة الغاز الطبيعي المؤثرة فيها.
وشكّلت الهجرة قضية رئيسية حددت خطابه السياسي، ولقيت صدى أيضاً في ولايات الجدار الأزرق، بعدما نجحت تهديداته وتحذيراته من الفوضى التي تشكلها الهجرة غير الشرعية، ومبالغته في تصوير أن الناخبين قد يجدون أنفسهم محاصرين في مجتمعاتهم، في حض الناخبين على التصويت له.
ولاء الناخبين لترمب
كما أثبت ترمب قدرته على الاحتفاظ بالولاء الشديد من شريحة كبيرة من الناخبين، رغم كل الهفوات والقضايا التي رُفعت ضده. فقد نجا مراراً وتكراراً من النكسات، مثل هزيمته في المناظرة أمام هاريس، والضجة التي أثيرت بعد تجمعه في نيويورك، والإهانات التي أُطلقت ضد البورتوريكيين والناخبين السود واليهود والفلسطينيين، التي كان من الممكن أن تسقط أي مرشح آخر تقريباً.
وعلى الرغم من اتهامه بأن خطابه خلال حملته الانتخابية وقبلها، مثير للجدل وللانقسام، لكن ما لا يمكن إنكاره، أنه تمكن من بناء تحالف هو الأكثر تنوعاً عرقياً من أي مرشح رئاسي جمهوري في السنوات العشرين الماضية. فقد اكتسب شعبية بين اللاتينيين وفاز عام 2020 بفارق 28 في المائة منهم في أماكن مثل فلوريدا وجنوب تكساس، ويرجح أن يكسب أصواتاً إضافية في كل من أريزونا ونيفادا أيضاً. كما عُدّ تحسن أداء ترمب مع الناخبين السود واللاتينيين سبباً لفوزه في جورجيا ونورث كارولينا. وهو الأمر الذي فشلت هاريس في تحقيقه، ولم تتمكن من الحفاظ على التحالف الذي بناه بايدن للفوز بجورجيا قبل أربع سنوات، فضلاً عن أن النتيجة لم تكن متقاربة بينهما أيضاً.
السيطرة الجمهورية على الكونغرس
ولم تكن حملة هاريس هي الحملة الديمقراطية الوحيدة التي مرّت بليلة صعبة. فقد خسر الديمقراطيون في مجلس الشيوخ مقاعد في غرب فرجينيا وأوهايو؛ مما قد يمهد الطريق للجمهوريين بالسيطرة على المجلس في عام 2025، في حين لا تزال السيطرة على مجلس النواب غير مؤكدة، وقد لا تكون معروفة لأيام أو حتى أسابيع. وإذا احتفظ الجمهوريون بالسيطرة على مجلس النواب فسوف يكون ذلك مشهداً مكرراً لما حدث في انتخابات عام 2016. ففي ذلك العام، فاز ترمب بالرئاسة وفاز الجمهوريون بالسيطرة على مجلسي النواب والشيوخ.
وقال ترمب إن الجمهوريين فازوا بمجلس الشيوخ، وقال إنه سيبدو أننا سنحتفظ أيضاً بالسيطرة على المجلس النواب، وقال هذا نصر رائع للأميركيين. ووصف هذه الانتصارات الجمهورية في سباقات مجلس الشيوخ ومجلس النواب بأنها «تفويض قوي» من الشعب الأميركي لتنفيذ أجندته. وأعرب عن دعمه رئيس مجلس النواب مايك جونسون، جمهوري من لويزيانا.
وانضمت إليه على المنصة زوجته وعائلته ونائب الرئيس السيناتور جي دي فانس، الذي قال: «لقد شهدنا للتو أعظم عودة سياسية في تاريخ الولايات المتحدة»، وشكر ترمب على ثقته، في حين قال ترمب إن فانس تبيّن أنه خيار جيد لمنصب نائب الرئيس.
وأشاد ترمب بصديقه إيلون ماسك، الرئيس التنفيذي لشركة «تسلا» و«إكس»، ووصفه بأنه رجل مذهل، ونجم جديد وأحد أهم الأشخاص بعد أن ساند ماسك حملة ترمب الانتخابية وأنفق ما لا يقل عن 130 مليون دولار لمساعدة ترمب والمرشحين الجمهوريين لمقاعد في الكونغرس على الفوز.
وأشار إلى ملامح إدارته المستقبلية، واصفاً المرشح الرئاسي السابق روبرت كينيدي بأنه سيساعد في جعل أميركا صحية مرة أخرى، وقال: «إنه يريد القيام ببعض الأشياء وسنسمح له بالقيام بها». وقد وعد ترمب بإعطاء كينيدي منصب وزير الصحة والإشراف على الوكالات الصحية الفيدرالية.
المصدر : وكالات