تباينت ردود الفعل في ليبيا حول تعامل سلطات البلاد مع تداعيات الفيضانات، التي ضربت بعض المناطق في الغرب، وخاصة مدينة ترهونة، وسط انتقاد للسلطات في عموم ليبيا لعدم تأهبها للكوارث، وانتظار وقوعها كي تتحرك بتدشين مشاريع تطوير وإعمار.
وكان رئيس حكومة الوحدة «المؤقتة» عبد الحميد الدبيبة، قد قرر عقب السيول التي ضربت ترهونة، تأسيس جهاز تطوير وتنمية المدينة والمناطق المجاورة لها، بميزانية قدرت بـ100 مليون دينار ليبي. (الدولار يساوي 4.87 دينار في السوق الرسمية). وعدّ بعض السياسيين والمراقبين خطوة الدبيبة «محاولة لاحتواء الانتقادات التي وجهت لحكومته، بسبب ما أظهرته الأمطار الغزيرة من تهالك للبنية التحتية في مدن شمال وغرب ليبيا» الخاضعة لسيطرة «الوحدة».
وقبل ذلك، وبالضبط في سبتمبر (أيلول) 2023 سارعت السلطات في شرق ليبيا إلى تدشين «صندوق إعادة إعمار درنة»، عقب السيول التي اجتاحت تلك المدينة، الواقعة شرق ليبيا وعدة مدن أخرى متاخمة، ورصدت تقارير آنذاك أن السلطات بشرق ليبيا أهملت صيانة سدّين كانا سببا في تعظيم الكارثة، التي أتت على جزء كبير من المدينة، وأودت بحياة الآلاف. كما انتهت السلطات القضائية بسجن عدد من المسؤولين المحليين في هذه القضية.
انتقادات لاذعة
وجه الباحث والأكاديمي الليبي، محمد إمطريد، انتقادات لاذعة للدبيبة، وتحدث عن التحذيرات التي أُطلقت منذ كارثة «فيضان درنة» بشأن توقع تغييرات مناخية بالمنطقة، في ظل تهالك البنية التحتية، من جسور وطرق بعموم ليبيا، وقال موضحاً: «كان يتوجب على حكومة الدبيبة وضع خطط واستعدادات مسبقة للتعاطي مع هذه الظاهرة، خاصة في ظل ما تتمتع به من ميزانية ضخمة».
وتتنافس في ليبيا حكومتان: الأولى يترأسها الدبيبة وتتخذ من العاصمة طرابلس (غرب) مقراً لها، والثانية تدير المنطقة الشرقية وهي مكلفة من البرلمان، وتحظى بدعم قائد «الجيش الوطني» خليفة حفتر، ويترأسها أسامة حماد.
ويعتقد إمطريد بأن الدبيبة «يحاول الترويج إلى أنه سينطلق لإعمار ترهونة، في محاكاة ربما لمسار إعادة الإعمار القائمة بالمنطقة الشرقية؛ وبالتالي يقطع الطريق على حكومة حماد، التي أعلنت استعدادها لإرسال قوافل دعم للمتضررين بترهونة وباقي المدن المتضررة».
ووفقاً لعميد بلدية ترهونة، محمد الكشر، فقد غمرت المياه غالبية أحياء المدينة، الواقعة جنوب العاصمة، وتحولت بعض طرقها لأودية جراء السيول، مما تسبب في وفاة ثلاثة أشخاص من أسرة واحدة، وخروج المستشفى القائم هناك من الخدمة.
تهالك البنيات التحتية
في المقابل، عدّ عضو المجلس الأعلى للدولة، محمد معزب، أنه يحسب للدبيبة «مسارعته بالذهاب إلى ترهونة وتفقد أوضاعها، وإعطاء التعليمات بسرعة صرف التعويضات للمتضررين بها، وتأسيس جهاز لضمان إعادة إعمارها، والمناطق المجاورة على نحو عاجل».
ولفت معزب في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى ما «تعانيه غالبية مدن ليبيا من تهالك للبنيات التحتية منذ عهد الرئيس الراحل معمر القذافي، وكيف أنه لم تحاول حكومات ما بعد (ثورة 2011) معالجة الأمر»، موضحاً أن حكومة الدبيبة «استطاعت بالفعل إصلاح وتشييد طرق، وإقامة مدارس وحدائق».
ووفقاً لرؤيته، قد شكّل «مناخ المناكفة والتجاذبات السياسية بين حكومة الدبيبة والبرلمان، الذي سحب الثقة منها بعد ستة أشهر من منحها عام 2021، بالإضافة إلى التهام رواتب موظفي الدولة لأكثر من نصف الإيرادات النفطية، تحدياً أمام تلك الحكومة».
من جانبه، يرى المحلل السياسي الليبي، عبد الله الكبير، أن «معالجة البنية التحتية في ليبيا بشكل جذري، وإحداث التطوير العمراني المنشود لن يتحققا عبر مشاريع تنفذ بوصفها دعاية سياسية للقائمين عليها في شرق ليبيا أو غربها».
وانضم المحلل السياسي، إسلام الحاجي، للطرح السابق، معتقداً بأن «ما يتم الإعلان عنه من مشاريع، ووعود بالإصلاح عقب كل كارثة في شرق ليبيا أو غربها، بات للأسف إحدى الطرق التي يلجأ لها المسؤولون لاحتواء واستقطاب الرأي العام، في إطار التنافس السياسي».
وأعرب الحاجي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» عن قناعته بأن «عدم الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي، وتداعيات ذلك من انقسام حكومي، مما يعزز من فرضية تسرب الفساد لأي مشاريع قد يتم إنجازها في الوقت الراهن».
وانتهى الحاجي إلى أن مسألة «عدم الاستعداد للكوارث، والاكتفاء بالحلول المؤقتة، مردودها أكثر تكلفة يتكبدها الليبيون، في ظل استمرار أزمتهم السياسية منذ أكثر من عقد، وعرقلة إجراء الانتخابات الرئاسة والتشريعية».
المصدر : وكالات