من المحتمل أن يتنفس صناع السياسة في البنك المركزي الأوروبي الصعداء، بعد أن امتنعت الإدارة الأميركية الجديدة عن فرض الرسوم الجمركية الشاملة التي كان يخشاها البعض، مما يعزز التوقعات بأن خفض أسعار الفائدة الأسبوع المقبل أصبح أمراً شبه محسوم.
وتجنب الرئيس الأميركي دونالد ترمب فرض حواجز تجارية في أول يوم له في منصبه يوم الاثنين، فيما ابتعدت تهديداته عن أوروبا، مما دفع اليورو إلى الارتفاع، وخفض أسعار النفط والعائدات، وزاد من الرهانات على أن البنك المركزي الأوروبي قد يواصل سياسة خفض أسعار الفائدة، وفق «رويترز».
وفي الأسابيع الأخيرة، كان المستثمرون يستبعدون أي تخفيضات لأسعار الفائدة من «المركزي الأوروبي» بسبب المخاوف من تأثير الدولار القوي وارتفاع تكاليف الطاقة، إضافةً إلى التدابير التجارية الانتقامية المحتملة من الاتحاد الأوروبي التي قد ترفع من ضغوط التضخم المحلي، مما يمثل تحدياً إضافياً لجهود البنك لإعادة نمو الأسعار إلى المستوى المستهدف عند 2 في المائة سنوياً.
وقبل هذا التوجه، كان المستثمرون يستعدون للأسوأ، بما في ذلك فرض التعريفات الجمركية الشاملة، لكنهم شعروا بالارتياح عندما ركزت تصريحات ترمب على المكسيك وكندا والصين في الغالب، مما خفَّف من المخاوف المتعلقة بالآثار الاقتصادية على أوروبا.
وقال موهيت كومار، من «جيفريز»: «كان معظم التعليقات يركز على سياسة (أميركا أولاً)، ولكن التعليقات الأولية كانت أفضل بكثير مما كانت تتوقعه السوق».
وأضاف كومار: «نظرتنا تبقى كما هي، حيث نتوقع أن يخفض (المركزي الأوروبي) أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في كل من يناير (كانون الثاني) ومارس (آذار)، وإذا كانت البيانات متوافقة مع التوقعات فقد نشهد عدم اتخاذ أي إجراء في اجتماع أبريل (نيسان)، مع خفض آخر في يونيو (حزيران)».
الآن، قام المستثمرون بتسعير توقعات خفض أسعار الفائدة 4 مرات من «المركزي الأوروبي» هذا العام، وهو تحول كبير مقارنةً بالأيام الأخيرة، عندما كانت الخطوة الرابعة تُعد غير مؤكدة إلى حد كبير.
كان الارتفاع المستمر للدولار منذ الانتخابات الأميركية في نوفمبر (تشرين الثاني) هو العامل الرئيس وراء تحرك رهانات السوق، حيث إن قوة العملة تهدد بتعزيز التضخم في أوروبا، وهو تأثير يتم الشعور به على الفور من خلال ارتفاع أسعار الطاقة التي تُسعّر بالدولار.
وانخفض مؤشر الدولار الآن بنسبة 1.3 في المائة مقارنةً بأعلى مستوياته الأسبوع الماضي، وقد لا يكون قد وصل إلى القاع بعد.
وأشار بنك «آي إن جي» في مذكرة: «من الممكن أن يشهد الدولار تصحيحاً طفيفاً، ولكن لا يمكننا استبعاد تمديد هذا التصحيح في الأمد القريب، خصوصاً عند إعادة فتح الأسواق المالية الأميركية بالكامل يوم الثلاثاء، ومع ذلك يبدو أن هذه التراجعات ما هي إلا نكسة مؤقتة في قوة الدولار».
ومع ذلك، يدرك المستثمرون تماماً سرعة التغيرات في السياسات الاقتصادية في عهد ترمب، في بعض الأحيان دون تحذير مسبق. ففي عام 2019، شن ترمب هجوماً على رئيس «المركزي الأوروبي» آنذاك، ماريو دراغي، بسبب سياساته التحفيزية، حيث قال إن هذه السياسات «تجعل الأمر أسهل بشكل غير عادل» لشركات منطقة اليورو في منافستها مع نظيراتها الأميركية.
لكنَّ بعض الخبراء الاقتصاديين أشاروا إلى أن «المركزي الأوروبي» قد يضطر إلى الاستمرار في خفض أسعار الفائدة، حتى في حال شدد ترمب موقفه تجاه الاتحاد الأوروبي، الذي حقق فائضاً تجارياً ضخماً مع الولايات المتحدة على مدار سنوات.
من الجدير بالذكر أن فرض الرسوم الجمركية، التي لن تؤثر إلا في تقليص فائض الحساب الجاري الكبير للاتحاد الأوروبي دون القضاء عليه، قد يؤدي إلى تراجع النمو الاقتصادي، بينما من المحتمل أن يعوض التأثير الانكماشي لهذه الرسوم التضخم الذي قد تسببه.
وقال نوردا: «سياسات ترمب قد تعزز من عزم (المركزي الأوروبي) على خفض أسعار الفائدة، نظراً لتأثيراتها السلبية في آفاق نمو منطقة اليورو. نتوقع 3 تخفيضات أخرى لأسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس، مع ميل المخاطر نحو استمرار الخفض لفترة أطول».
المصدر : وكالات