قلّل قائد الجيش السوداني، الجنرال عبد الفتاح البرهان، من تأثير العقوبات الأميركية التي فُرضت عليه، بقوله: «لم أكلف نفسي عناء قراءة نص القرار الأميركي»، بينما عدّها محللون «فرصة» لدعمه شعبياً، وخلق رأي عام مساند له، ورأى آخرون فيها «مساساً برمز الدولة» يمكن أن يؤثر على مشاركاته الخارجية، وحذروا من احتمالات تأثيرها على «الوساطة» الأميركية لوقف الحرب في السودان.
وتعدّ العقوبات؛ الصادرة وفقاً للأمر التنفيذي رقم «14098» الصادر عن وزارة الخارجية الأميركية، ذات طابع «شخصي»، حيث تُجمد الحسابات البنكية، وتستهدف ممتلكات الأشخاص المعنيين، وأيضاً تعاملاتهم المالية والتجارية، وتربطها بشخصياتهم المادية أو الاعتبارية، ولا تعدّ عقوبات عامة أسوة بالعقوبات التي كانت مفروضة على السودان من جانب مجلس الأمن الدولي إبان حكم الرئيس السابق عمر البشير.
وانتقد المحلل السياسي محمد لطيف طريقة فرض تلك العقوبات، وما سماها «منهجية» فَرضِها على الساسة في العالم الثالث، وقال إنها «خاطئة بالكامل، وتنطلق من فرضية كأن هؤلاء مستثمرون في بورصة نيويورك، أو لديهم مشروعات استثمارية حول العالم».
ويقلل لطيف من العقوبات المفروضة على هؤلاء القادة، ويصفها بأنها بـ«لا قيمة» لها، بقوله: «صحيح لديهم أموال ومنقولات، لكنها غالباً داخل بلدانهم، أو في مناطق آمنة، لا تصل إليها الملاحقات القانونية الأميركية».
ويحذر من التأثير السلبي للعقوبات على «الوساطة الأميركية»؛ لأن الوساطات تستلزم عموماً «مخاطبة مخاوف ومصالح كل أطراف الصراع».
سيناريو البشير
ويشير لطيف إلى دور الآلة الإعلامية المسيطَر عليها من الدولة أو النظام في قلب الحقائق، ويقول إنها تستطيع «توظيف العقوبات لمصلحة المُعاقَب»، ويؤكد وجهة نظره: «الآن سترى مظاهرات تأييد، ومقالات وكتابات تعمل على تعبئة الرأي العام لمصلحة البرهان»، ويضيف: «هو السيناريو نفسه الذي واجه به الرئيس السابق عمر البشير العقوبات… يتكرر الآن لمصلحة البرهان».
وتستند العقوبات الأميركية، وفقاً للطيف، «إلى افتراض خاطئ، ينطلق من أن للبرهان سلطة مطلقة يمكن أن تؤثر عليها العقوبات، وهذا افتراض خاطئ، فالذي يدير المشهد نظام متكامل، والبرهان لا يعدو طرفاً واحداً فيه، إن لم يكن الطرف الأضعف، لذلك؛ فإن تأثيرها السياسي أو الميداني العملياتي مستبعد…». ويضيف: «العقوبات الآن تُستثمر لدعم موقف البرهان السياسي».
عودة ترمب
ويشير لطيف إلى تأثير عودة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، وعلاقة هذه العودة بفكرته عن «اتفاقيات أبراهام»، التي كان البرهان طرفاً فيها وكان يريد المضي قدماً في ترتيباتها، ويقول: «يمكن أن تشكل (اتفاقات أبراهام) مدخلاً للتعامل مع الإدارة الأميركية الجديدة، فإذا قررت الإدارة الجديدة الاستثمار فيها، فيمكن أن تصل إلى تفاهمات مع البرهان، وجعل العقوبات دون تأثير».
ويتابع: «عقوبات الإدارة الديمقراطية المتنحية لن تقف عائقاً أمام ترتيبات الإدارة الجمهورية، ولا تنظيم علاقاتها ومصالحها وفقاً لرؤية الرئيس ترمب». ويضيف: «الباب سيظل موارَباً أمام الإدارة الأميركية الجديدة للتقليل من تأثير العقوبات».
استهداف رأس الدولة
أما المحلل السياسي عثمان ميرغني، فيعدّ العقوبات «استهدافاً لرأس الدولة»، وتجعل النظام المالي العالمي يصنف السودان «دولة ذات أخطار عالية»، فيضطر لاتباع «سلسلة إجراءات احترازية» متفاوتة من قبل بنوك ومؤسسات العالم.
وتعقد الاحترازات، وفقاً لمنصة ميرغني على «فيسبوك»، التجارة الخارجية؛ «بما يرفع من تكلفة الصادرات والواردات السودانية؛ لأنها تحتاج إلى وسطاء، ويمكن أن تؤدي كذلك لوقف التعامل مع السودان من جهات عدّة، لا سيما في قطاع الاتصالات والإنترنت؛ بل وقد يلجأ بعض البنوك لاحقاً إلى قفل حسابات سودانية، إلى جانب التشويش على مشاركات رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان في المؤتمرات والفعاليات الدولية، وإضعاف فرص الشراكات مع الدول؛ حتى الصديقة والشقيقة».
ميدانياً؛ لم تؤثر العقوبات التي فُرضت على قادة الحرب السودانيين بعد، فوفقاً لتقارير صحافية، فقد ارتفعت حدة المواجهات العسكرية بين الطرفين، وانتشرت جغرافياً في عدد من محاور القتال؛ بل وزادت وتيرة الانتهاكات التي يمارسها طرفا الحرب، بما فيها القصف الجوي وقصف المسيّرات، والانتهاكات الانتقامية ضد المدنيين، لكن كثيراً من السودانيين ينتظرون إدارة الرئيس دونالد ترمب؛ لعلها تقلب الطاولة وتوقف الحرب.
المصدر : وكالات