فى كتاب “رحلتى: الأوراق الخاصة جدًا” الصادر عن دار الشروق عام 2007، من تقديم الشاعر الكبير فاروق جويدة، يحكى الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب، كيف أنه حاول إجراء تغيير جذرى فى الأغنية العربية، فكان أول ما حاول تقديمه، فك سجن الجملة اللحنية من قيود الإيقاع الواضح الذى غالبا ما يحرك فى المستمع الحس المادى أكثر من الوجدان.
وكان أيضًا أول من خالف قاعدة مهمة من قواعد التلحين الشرقى التى تعلمها من الأساتذة القدامى، والتى تقول: إن الملحن إذا ما لحن قصيدة أو توشيحا أو دورا أو أغنية أو طقطوقة وابتداء من نغمة ومن مقام معين عليه أن ينتهى بنفس النغمة وعلى نفس المقام.
وقد كسر هذه القاعدة فى «جارة الوادى» فقد بدأ من نغمة «البياتى» على مقام «الدوكا»، وانتهى بها بمقام «البياتى أيضًا، لكن على مقام العشيران، أى ابتدأت ببياتى على «الرى» وانتهيت إلى بياتى على «اللا» وهذه مخالفة صريحة، وثار أساتذة نادى الموسيقى فى ذلك الوقت، وحاكموا عبدالوهاب فى جلسة ضخمة، شارك فيها أساتذة أجلاء، لم يسمِ أحدا منهم، وقال لهم: «إن النغمة تشبه حديقة جميلة يتجول فيها الملحن فى لحنه ويكتشف فيها مواقع جميلة إذا ما أراد فى مشواره داخل الحديقة أن يرتاح عند موقع جميل وينتهى من مشواره فما هو المانع؟»، فلم يوافقوا الرأى ولكنهم لم يتخذوا أى إجراء، وذلك بسبب تقديم النادى له على كونه طالبا، وبالتالى يحصل على إعانة بسبب ذلك، وعندما انفصل جزء من النادى كمعهد للموسيقى العربية وأصبح تابعا للحكومة، ابتدأ النادى يستغنى عن الحفلات وزاد تحطيمه للوثنية، فلم يطيقوا على ذلك صبرا حتى اجتمعوا وقرروا فصله، والوحيد الذى رفض فصله كان أحمد الألفى عطية فطرده من المجلس.
المصدر : اليوم السابع