إقالة غالانت مقامرة أخرى في «كازينو الحرب» الإسرائيلية
الخطوة التي وصفت بأنها «دراما ستحدث هزة أرضية» بقرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إقالة وزير دفاعه يوآف غالانت من منصبه، وتعيين وزير الخارجية يسرائيل كاتس مكانه، هي سوط يستله نتنياهو لترهيب رفاقه المتمردين داخل «الليكود».
صحيح أن نتنياهو يخطط لإقالة غالانت منذ زمن طويل، واتخذ قراراً بهذا المضمون عدة مرات واضطر إلى التراجع عنه، إلا أنه هذه المرة يبدو مصمماً بشكل خاص. وهو بذلك يقامر على كل الغلة، رغم أن اللعبة تجري في «كازينو حرب»، يموت فيها ناس كثيرون.
غالانت سارع إلى الإعلان عن أن الخلاف بينه وبين نتنياهو يعود إلى ثلاثة مواضيع هي: إصراره على سن قانون التجنيد، الذي يضمن مضاعفة عدد الشبان المتدينين المجندين للجيش، والالتزام الأخلاقي باستعادة المختطفين، وتشكيل لجنة تحقيق رسمية بأحداث 7 أكتوبر (تشرين الأول).
وأضاف: «هناك إمكانية للتوصل إلى صفقة واستعادة المختطفين، لكن ذلك منوط بتنازلات بعضها مؤلم. علينا أن نفعل ذلك في أسرع وقت ممكن وهم على قيد الحياة، إنهم بحاجة للعودة إلى منازلهم وعائلاتهم». وقال: «أنا أتحمل مسؤولية الأجهزة الأمنية خلال السنتين الأخيرتين، بما فيها النجاحات والإخفاقات. هناك تحديات صعبة أمام إيران ووكلائها في المنطقة».
وهذا صحيح. لكن نتنياهو أقدم على هذه الخطوة، وفي هذا الوقت بالذات، فقط لأنه بدأ يفقد ائتلاف حكومته. فالأحزاب الدينية (الحريديم) تصر على تعديل القانون بطريقة تضمن إعفاء الغالبية الساحقة من أبنائهم من التجنيد. وتتهم نتنياهو بالفشل في السيطرة على رفاقه. وقالوا: «لقد وافقنا على سن قانون آخر يضمن تمويل المؤسسات التعليمية الدينية على أمل أن يستطيع نتنياهو إقناع رفاقه بالقانون المذكور لكنه فشل هنا أيضاً. ونحن لا نستطيع قبول ذلك حتى لو أدى الأمر إلى سقوط الحكومة».
وبالفعل هناك 10 نواب في الائتلاف أعلنوا أنهم لن يؤيدوا القانون خلال التصويت عليه بالقراءة التمهيدية، الخميس، الأمر الذي من شأنه أن يثير أزمة في الحكومة، أبرزهم: وزير استيعاب الهجرة اليهودية أوفير سوفير (الصهيونية الدينية)، وغالانت (حزب وجدعون ساعر)، وموشيه سولومون وأوهاد طال (الصهيونية الدينية)، وإيلي دلَال ودان الوز، ورئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست يولي إدلشتاين (الليكود)، وقال إدلشتاين بشكل قاطع: «لن أدعم قانون الحضانات، ولا أي قانون يحاول الالتفاف على جهودنا التي لا تتوقف لتوسيع قاعدة التجنيد للجيش في دولة إسرائيل».
وهددت كتلة «يهدوت هتوراة» الحريدية، بأنه في حال عدم المصادقة على القانون بالقراءة التمهيدية، فإن أعضاءها في الكنيست لن يصوتوا على مشاريع قوانين أخرى يطرحها الائتلاف. وسيطرحون فكرة الانسحاب من الائتلاف، ليس خلال الحرب لكن في القريب.
وهكذا، قرر نتنياهو هز الرسن للنواب المعارضين. فاختار رفع السوط وضرب غالانت، حتى يرهب بقية النواب التسعة الباقين، وينقذ الائتلاف الحكومي. هذه هي القضية الأساسية.
فهل نجح بذلك؟ الجواب حتى الآن سلبي. ثمانية من هؤلاء النواب قالوا إنهم لن يتراجعوا. وهذا يعني أن نتنياهو لا يمتلك أكثرية لتمرير القانون، حتى بعد إقالة غالانت. لديه الآن 60 نائباً مؤيداً، وهو يحتاج إلى 61 نائباً.
فماذا سيفعل؟ يتوجه إلى الحريديم ويقول لهم: انظروا كم فعلت لكي أمرر هذا القانون. أقلت غالانت، رغم المخاطرة بذلك. أعطوني مزيداً من الوقت.
بالطبع، توجد لقرار كهذا تبعات كثيرة وهو يتشابك مع قضايا أخرى. لكن جميعها كانت في درجات أدنى من الأهمية. ومع ذلك، لا بد من التطرق إليها:
الانتخابات الأميركية
هناك من يقول إن نتنياهو اختار هذا الوقت بسبب الانشغال الأميركي فيها. فهو يخشى من رد فعل أميركي سلبي من الإدارة الأميركية. فغالانت يعدّ مقرباً من هذه الإدارة، ويحظى بمودة خاصة، ويقيم علاقات قوية مع نظيره الأميركي أوستن وتكلم معه 108 مرات خلال الحرب.
ولكن الحقيقة أن الصدفة فقط هي التي جمعت الموعدين. والإدارة الأميركية التي قالت إنها مصدومة من إقالة غالانت وطرحت تساؤلات عن حقيقة الأهداف من ورائها، أعلنت في الوقت نفسه أنها ستتعامل مع كاتس باحترام. وبعد فوز ترمب، يمكن لواشنطن أن تنظر إلى قراره على أنه شجاع، «نعم، هكذا أريدك. قائداً قوياً يتخذ قرارات حازمة».
المحتجزون
غالانت اتهم نتنياهو عملياً بالتسبب بعرقلة الصفقة. كاتس من جهته، اتصل بعائلات المحتجزين حال الإعلان عن تعيينه وزيراً للدفاع. وقال لهم إن قضيتهم ستكون على رأس اهتمامه. وإنه معنيّ بالاجتماع بهم حال تسلمه المنصب رسمياً، الخميس.
لكن هؤلاء لم يتأثروا وأبلغوه بأنهم يريدون أن يروا الحكومة تثبت بشكل عملي أنها متجهة إلى صفقة فوراً. ونزلوا إلى الشارع سوية مع حملة الاحتجاج للتظاهر في تل أبيب. وأغلقوا شارع إيلون. وهاجمتهم الشرطة ورشتهم بالماء الآسن، الذي يستخدم حتى الآن ضد متظاهرين عرب فقط. وعاد كاتس وشرح أنه قصد بإعادة المخطوفين، وفقاً لسياسة الحكومة، الانتصار الساحق.
المظاهرات
كما هو معروف، هذه هي المرة الثانية التي يعلن فيها نتنياهو عن إقالة غالانت، حيث كانت المرة السابقة على خلفية خطة وتشريعات إضعاف جهاز القضاء، في شهر مارس (آذار) 2023، لكنه تراجع بعدما انفجرت هبة احتجاج واسعة ضده، شارك فيها نحو 400 ألف إنسان. واليوم يقدم على هذه الخطوة بسبب قناعته بأن الجمهور تعب من المظاهرات، ولن يخرج بمئات الألوف ضده. وفي هذا معه حق. المظاهرات التي خرجت الليلة ضد إقالة غالانت لم تكن ضخمة. أقل من عشرة آلاف. وقادة الاحتجاج يفسرون ذلك الضعف بأنه ناجم عن الحرب وعن المفاجأة. فالحرب تمنع الناس من التظاهر، خوفاً من الصواريخ.
فقط قبل أسبوعين، تم القبض على خلية من القدس الشرقية اعترف قائدها بأنه كُلّف من المخابرات الإيرانية بتفجير عبوة ناسفة في إحدى المظاهرات. ويقولون إنهم سيلجأون إلى أساليب نضال أخرى تجعل نتنياهو يندم على إقالة غالانت. وتوجهوا إلى قادة الاقتصاد وقادة النقابات لكي يعلنوا إضرابات احتجاجية. ودعا إيهود أولمرت إلى العصيان المدني. ولكن هذا كله يحتاج إلى وقت وإلى حماس. وفي هذا الموضوع لا يوجد وقت، ونتنياهو نجح في تيئيس المحتجين، وخبا حماسهم.
الصدام مع الجيش
حال الإعلان عن إقالة غالانت، نشرت توقعات بأن نتنياهو يخطط لإقالة رئيس أركان الجيش هيرتسي هاليفي، ورئيس الشاباك رونين بار، ورئيس الموساد ديفيد برنياع؛ لكي يسيطر على كل المفاتيح ويشكل المؤسسات الأمنية على مقاسه. وقد سارع نتنياهو إلى الاتصال بالثلاثة. وحاول طمأنتهم بأنه أقدم على خطوته كجزء من عمله السياسي. وطلب منهم التعاون مع كاتس. والانطباع هو أنه لن يقدم على خطوة جارفة لإقالة أي منهم، على الأقل الآن. لكن مصادر عسكرية أعربت عن غضبها من هذه الإقالة وعدّتها ضربة للجيش وهو يخوض الحرب القاسية على عدة جبهات. وتفوه بعضهم بأن «نتنياهو يمس بالأمن». وقد رد أنصار نتنياهو في القناة الـ14 بالقول إن الجيش يُعدّ انقلاباً عسكرياً ضد نتنياهو.
حرب جماهيرية
الحرب: السؤال الكبير الذي يطرح في إسرائيل اليوم وخارجها، إن كانت إقالة غالانت ستؤثر على الحرب. من جهة نتنياهو يعمل بقوة لكي تستمر الحرب؛ لأنه يرى فيها عربون بقائه في الحكم. فهو يعتقد، وبحق، أنه في اللحظة التي يتم فيها وقف النار، سوف تبدأ حرب جماهيرية لإسقاط حكومته. وهذا يعني أن محاكمته ستدار بشكل أسرع، وهو بمكانة ضعيفة بوصفه مواطناً عادياً. وهو مستعد لعمل أي شيء في سبيل منع هذا؛ لأنه يراه ضمانة للحكم عليه بالسجن في قضايا الفساد. ولكن، هنا يأتي الدور الأميركي، فقد وصلت إليه رسالتان من هاريس ومن ترمب يؤكدان فيهما أنهما يريدان أن تنتهي الحرب قبل أن يدخل الرئيس إلى البيت البيض في يناير (كانون الثاني) 2025. فإذا كان هذا الملف سيتحرك، فيُتوقع أن يكون بدفع أميركي. وقوة هذا الدفع مهمة، وهي تعتمد على هوية ساكن البيت الأبيض. والمقربون من نتنياهو يؤكدون أن لديه خطة أيضاً لهذا السيناريو، بأن يخوض انتخابات مبكرة من موقع قوة، ويسترد شعبيته، وينتخب مرة أخرى لرئاسة الحكومة، رغم أن الاستطلاعات لا تبشره بخير. لذلك يؤخر هذا السيناريو ليكون آخر حل يلجأ إليه.
المصدر : وكالات