وتسمح الاتفاقية لكييف باستئناف شحنها للحبوب من البحر الأسود إلى أسواق العالم، والتي وقع عليها وزيران من البلدين بشكل منفصل وتجنبا بحرص الجلوس على طاولة واحدة أو التصافح خلال المراسم.
ويرى مراقبون وخبراء أن هذا الاتفاق الذي تبقى العبرة في تطبيقه العملي دون منغصات، يشكل بارقة أمل للخروج من الأزمة العالمية الخطيرة التي خلفتها حرب أوكرانيا، وأنه قد يفتح كوة في جدار هذه الحرب، عبر إعلاء صوت الدبلوماسية والحوار والمصالح المشتركة على صوت السلاح.
لكن محللين آخرين يحذرون من الوقوع في فخ تفاؤل مفرط، منوهين إلى أن حجم الخلاف وحدته وتضارب الأجندات الدولية المتصارعة في أوكرانيا وعليها أكبر من أن تذلله اتفاقية الغذاء هذه، والتي ربما وقعها الطرفان رفعا للحرج وللتملص من التسبب بزيادة حدة أزمة الغذاء الدولية كونهما من أكبر منتجي ومصدري السلع الغذائية الاستراتيجية كالقمح والذرة، والتي باتت تهدد بوقوع مجاعات واسعة حول العالم.
وتعليقا على ذلك، يقول تيمور دويدار الخبير والمستشار الاقتصادي الروسي، في حوار مع سكاي نيوز عربية: “في غضون الاتهامات المتبادلة بين الغرب وروسيا بافتعال أزمة الغذاء بالعالم والتسبب بتضخم أسعاره وارتفاعها الجنوني، فإن هذا الاتفاق يندرج في إطار حراك سياسي من الكرملين لكسب الرأي العام العالمي ونيل ثقته فيما يخص الأزمة الحالية، وهذا الاتفاق حول الحبوب ربما بشكل بداية التسوية لهذه الحرب.”
حيث يمكن القول، حسب دويدار: “إن الروس نجحوا الآن حتى بإسقاط رؤساء حكومات غربية، وخلق مناخ داخل بلدان الغرب ليس في صالح ساستها وقادتها بما في ذلك الولايات المتحدة، وبهذا يمكن القول أن الكرملين يرى أنه ينتصر في إدارة المعركة مع الغرب ويمكنه تاليا طرح مبادرات وحلول من موقع قوة، علاوة على أن تصدير الحبوب والزيوت من أوكرانيا للخارج سينعكس إيجابا على مختلف دول العالم، وخاصة تلك التي تصفها روسيا بالصديقة وهو عامل آخر شجع موسكو ولا شك على الإقدام على هذه الخطوة.”
ويسترسل الخبير الاقتصادي الروسي في الحديث عن الاتفاق على تصدير الحبوب بين موسكو وكييف، قائلا: “دور تركيا في هذا الاتفاق يمكن وصفه أنه ثمرة العلاقة البناءة بين روسيا وتركيا رغم الخلافات والتباينات بينهما، وهو ما يقدم مثالا على كيفية التعاون المثالي بين الخصوم لإيجاد وبلورة حلول ايجابية لمعضلات وأزمات يتضرر منها الجميع حول العالم، كما هي الأزمة الأوكرانية وما سببته من تعطيل وإضرار لسلاسل التوريد والإمداد العالمية ولا سيما الغذائية منها.”
فهل سيتمخض عن هذا الاتفاق شيوع جو تصالحي وإيجابي قد يمهد لإسكات السلاح وتغليب لغة الدبلوماسية، يرد دويدار: “غالبا نعم وستضع الحرب الساخنة بأوكرانيا أوزارها في شهر سبتمبر القادم أو خلال فصل الخريف المقبل كما أتوقع، وعليه ربما سنشهد حينها إعادة هيكلة المعاملات الخارجية الروسية مع الاتحاد الأوروبي تحديدا، وتاليا تخفيف العقوبات المفروضة من قبله على روسيا، وبداية العمل المشترك والبحث معا بين الروس والأوروبيين في سبل اعادة الأمن والسلام من جديد لقارتهم.”
من جهتها تقول لانا بدفان الباحثة الاقتصادية والخبيرة بالعلاقات الدولية، في لقاء مع سكاي نيوز عربية: “ما تم عبر هذا الاتفاق هو حلحلة واحدة من المشكلات المزمنة الناجمة عن الحرب، والمتعلقة بالأمن الغذائي العالمي، لكن هناك طبعا الكثير من الملفات والمشكلات المعقدة الأخرى العالقة، كالمتصلة مثلا بالطاقة والمعادن والعقوبات الغربية المفروضة على روسيا.”
وتضيف بدفان: “ربما يمهد هذا الاتفاق والتسوية التي تمخض عنها بخصوص الحبوب والغلال إلى إشاعة جو تفاهمي نوعا ما، بحيث تعقبها تسويات تدريجية للأزمات الأخرى ولا سيما ما يتعلق منها بموضوع النفط والغاز خاصة وأننا على مقربة من حلول فصل الشتاء، لكن هذه الحلحلة المتوقعة قد تتم بوتيرة باهتة وبطيئة، ويجب الحذر من الإفراط بالتفاؤل هنا حيث أن الحرب مشتعلة والخلافات لا زالت على أشدها بين طرفي الصراع.”
وتعتبر صفقة إعادة تصدير الحبوب بين موسكو وكييف هي الأولى بين الدولتين منذ اندلاع الأزمة.
ويشمل الاتفاق السماح للسفن الأوكرانية بتصدير الحبوب ونقلها عبر مياه البحر الأسود، على ألا تتعرض لها القوات البحرية الروسية وأن يتم تفتيشها عند الدخول والخروج من الموانئ الأوكرانية من قبل الأطراف المشاركة في رعاية الاتفاق وتوقيعه للتأكد من خلوها من شحنات أسلحة.
وتعد كييف وموسكو من بين أكبر الدول المصدرة للمواد الغذائية في العالم. وقد شهدت صادرات الحبوب تراجعا كبيرا مباشرة بعد بدء الحرب بين البلدين.
وتسبب توقف صادرات الحبوب في ارتفاع الأسعار بشكل كبير، ومن شأن اتفاق إسطنبول أن يخفف من وطأة أزمة الغذاء العالمية.