ففي البرتغال لوحدها أعلن عن تسجيل أكثر من ألف حالة وفاة، وفي جارتها إسبانيا سجلت وفاة أكثر من 500 شخص بفعل درجات الحرارة الملتهبة، الأمر الذي طرح علامات استفهام حول السبب في تسجيل كل هذه الأرقام المخيفة من ضحايا الجو الحار في أوروبا، في حين أن بلدانا ومناطق أخرى حول العالم معروفة بمناخها الشديد الحرارة، لا تشهد مثل هذه الحالات.
وتعليقا على هذه المفارقة، يقول الخبير الصحي زامو بختيار، في حديث لـسكاي نيوز عربية :”الأمر يرتبط بجملة عوامل ومسببات أبرزها أن تغيرات المناخ المتطرفة أسهمت في قلب التوازن البيئي والمناخي رأسا على عقب، بحيث باتت أوروبا مثلا خلال السنوات القليلة الماضية تشهد ارتفاعا مهولا في درجات حرارة الصيف، الأمر الذي لا يتناسب وطبيعة اعتياد سكان القارة على المناخ البارد عامة والمعتدل صيفا، ولهذا نجد أن كثيرين منهم وخاصة كبار السن والمرضى لا يتحملون هذا التغير الدراماتيكي في درجات الحرارة، وبعضهم يفقدون حياتهم جزاء ذلك”.
وأضاف بختيار قائلا: “الأمر يتعلق إذن بتغيرات مناخية تتعارض ونمط عيش الأوروبيين وأسلوب معاشهم ومعمارهم، حيث أن الكثير من البيوت والمساكن الأوروبية مثلا تكون غير مجهزة كما يجب لمواجهة مثل هذه الحرارة المرتفعة، وفي النتيجة يكون صعبا التكيف من قبل سكان أوروبا مع هذا الانقلاب المناخي، ولا سيما من قبل من يعانون من أمراض مزمنة يفاقم الإعياء والاحتراز من حراجة حالاتهم المرضية”.
من جهته، يقول الخبير المناخي وعضو الاتحاد العالمي لحفظ الطبيعة أيمن قدوري، في لقاء مع سكاي نيوز عربية :” تئن القارة الأوروبية هذا الصيف تحت وطأة معدلات مرتفعة جدا من درجات الحرارة وموجات جفاف غير مسبوقة، أدت لانتشار الحرائق في غابات دول جنوب أوروبا بالأخص بجنوب فرنسا وفي إسبانيا والبرتغال، والتي وثقت عن طريق الأقمار الصناعية لوكالة NASA التي التقطت صور فضائية لأعمدة الدخان المتصاعدة بسبب حرائق الغابات في إسبانيا والبرتغال، واللتين سجلتا أرقاما مفزعة للوفيات بسبب ارتفاع درجة الحرارة التي تخطت 40 درجة مع مناخ جاف، في دول ساحلية لم يسبق لها أن تعايشت مع هكذا موجات”.
ويسترسل قدوري قائلا “تعزى أسباب هذا التطرف المناخي لأحد المرتفعات الجوية (مرتفع الآزوري) الذي يعتبر طبيعيا في ظروفه القياسية خارج إطار عمليات التغير المناخي، التي حولت طبيعة هذا المرتفع من منقذ البشرية في المناطق الباردة إلى قاتل لها في دول جنوب القارة الأوروبية، فمرتفع الآزوري وهو أحد المرتفعات شبه الاستوائية النشطة، أطلسية المصدر مركزه جزر الآزور في الجزء الشرقي للمحيط الأطلسي وهي جزر تتبع جغرافيا دولة البرتغال، يقتصر تأثيره خلال فصل الصيف على دول جنوب أوروبا وشمال إفريقيا، ليصل تأثيره عند الذروة لحوض البحر المتوسط والشمال الإفريقي”.
ويتابع الخبير المناخي شرح طبيعة ما يعصف بأوروبا: “بالتزامن مع الاحتراز العالمي وارتفاع معدل تزايد درجة الحرارة، بحسب المنظمة العالمية للأرصاد الجوية التي تتنبأ بارتفاع مرتقب بحوالي 1.5 درجة خلال السنوات العشر المقبلة، ازدادت شدة تأثير مرتفع الآزوري بصورة أدت لوصول موجات من الحرارة لم تشهدها دول الجنوب الأوروبي، مسببة وفاة أعداد كبيرة من الناس في كل من إسبانيا والبرتغال تحديدا”.
وعن سبب تسجيل مئات حالات الوفاة في دول أوروبية على وقع تصاعد حرارة الجو، يقول قدوري :”الآلية التي من خلالها يؤدي ارتفاع درجات الحرارة للموت، هي أن هذه الدرجات العالية، ترفع من نشاط الدورة الدموية بغية تبريد الجسم، بالتالي تزداد سرعة ضخ القلب للدم إلى أن تصل مراحل اجهاد لعضلات الجسم كافة ومنها القلب، وترفع إثر ذلك احتمالية الوفاة في حال رافق هذا الإعياء أمراض مزمنة”.
ويختم الخبير البيئي والمناخي بالقول:”بالتالي ما يحدث بأوروبا الآن دليل دامغ آخر يضاف للأدلة المتزاحمة حول فداحة التغير المناخي الذي يعانيه الكوكب ومخاطره الجمة على الوجود البشري، ما يستدعي ضرورة التحرك العالمي الفوري لتقليل آثار كارثة التغير المناخي القاتلة، من خلال تقليل انبعاثات غازات الاحترار العالمي ومحاولة اعادة إنعاش طبقات الغلاف الجوي، من خلال تفعيل توصيات وبنود وقوانين اتفاقيات قمم المناخ المتتابعة من باريس إلى غلاسكو”.