وبعد سلسلة انسحابات متتالية، لقيادات الخط الأول في “الإطار التنسيقي” المدعوم من إيران، مثل حيدر العبادي، ونوري المالكي، وهادي العامري، وفالح الفياض، تمخضت المباحثات عن ترشيح السوداني الذي يتمتع بقبول واسع لدى أغلب الأحزاب السياسية.
وتبدو مواقف القوى السياسية مؤيدة لتولي السوداني رئاسة الحكومة العراقية المقبلة، خاصة أن أغلب القوى السنية والكردية تعتبر شخصية رئيس الوزراء شأنًا شيعيًّا داخليًّا، يندر التدخل فيه.
إشارات من الصدر
في ظل تلك الأجواء، يبرز موقف زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، الغريم التقليدي لقوى “الإطار التنسيقي”، حيث أرسل إشارات برفضه ترشيح السوداني، عبر صورة نشرتها الصفحة التابعة له عبر “فيسبوك” باسم “صالح محمد العراقي” فضلًا عن تعليقات قيادات التيار الصدري.
وينطلق الصدر من رفضه المبدئي للسوداني، باعتبار الأخير، قياديًّا سابقًا في حزب الدعوة، وتسلم خلال السنوات الماضية، إدارة عدة وزارات عن ائتلاف دولة القانون، بزعامة المالكي، ما يعني أن الحكومة المقبلة بفريقها الوزاري والاستشاري، ستكون بصبغة واضحة (قريبة من إيران)، وفق ما يتحدث بها سياسيون.
هنا يقول سياسي مقرب من التيار الصدري، إن “موقف الصدر من ترشيح السوداني، لا يزال غير واضح بشكل كافٍ، وهذا يعود إلى رغبة الصدر بمعرفة قدرة السوداني على إثبات استقلاليّته، وقدرته على اتخاذ القرار، دون العودة إلى الأحزاب التي ستكلفه بتشكيل الحكومة”، مشيرًا إلى أن “الإشارات التي أرسلها الصدر بشأن السوداني، هي رسائل تخويفية، بضرورة عدم الارتهان لقوى الإطار التنسيقي، وتشكيل حكومة متوازنة، وعلى قدر من الاستقلالية والمهنية”.
ويضيف السياسي، الذي رفض الكشف عن اسمه لـ”سكاي نيوز عربية”، أن “الصدر يفكر بطريقة أبعد من مسألة تشكيل الحكومة الحالية، وفي حال واجه الصدر السوداني، فإن ذلك سيزيد من شعبية الأخير وسيحقق مكاسب من تلك المعارضة، لذلك فإن الرؤية المتداولة حاليًّا داخل الدائرة المقربة من الصدر هي ترك الأمور تسير بشكل طبيعي، مع انتظار اللحظة الحاسمة للتدخل، سواءً عبر الجماهير أو التدخل السياسي، بالأدوات المتوفرة”.
وبدت أجواء التيار الصدري، السياسية والشعبية، رافضة لترشيح السوداني، فعلى سبيل المثال تظاهر العشرات من أتباع الصدر، يوم الثلاثاء، أمام منزل السوداني في بغداد، احتجاجًا على ترشيحه.
وقبل السوداني، كان المالكي مرشّحًا بقوة داخل “الإطار التنسيقي” لتسلم زمام المرحلة المقبلة، في ظل التوتر مع التيار الصدري، لكن التسريبات الأخيرة، التي نشرها الصحافي العراقي علي فاضل، وما تضمنته من اتهامات مباشرة لأغلب حلفاء المالكي، أطاحت بتلك الأحلام، ووضعت قوى الإطار في حرج بالغ، في حال تبني دعم المالكي.
مَن هو السوداني؟
وُلِد السوداني، في محافظة ميسان عام 1970، وحصل على بكالوريوس في العلوم الزراعية، وشغل سابقًا عدة مناصب في الحكومة العراقية، مثل قائمقام مدينة العمارة 2004، ومحافظ ميسان 2005، ووزير حقوق الإنسان 2010، ورئيس الهيئة العليا للمساءلة والعدالة وكالة 2011، ووزير الزراعة وكالة، ورئيس مؤسسة السجناء السياسيين وكالة 2014، فضلًا عن وزير الهجرة وكالة، وإدارة وزارات المالية والشؤون الاجتماعية، والتجارة، 2014 – 2016.
كما يعد السوداني من قيادات الداخل، ولم يسبق له العمل ضمن المعارضة في الخارج، ولا يمتلك إقامة غربية ولم يسبق له العمل في مناصب أمنية.
وتسلّم السوداني جميع مناصبه عن ائتلاف دولة القانون، إذ كان قياديًّا في صفوف الائتلاف الذي يتزعمه المالكي.
ويعد السوداني شخصية متصالحة مع الجميع، ولم يسبق أن دخل في صدام مع الأحزاب السياسية أو أصدر تعليقات استفزازية، كما أنه اتخذ موقفًا مؤيدًا للاحتجاجات الشعبية في العراق عام 2019.
ويجمع عراقيون على أن ترشيح السوداني يمثل تغيرًا في المعادلة السياسية للحكم، وذهاب فترة سيطرة شخصيات الخط الأول (من غير الكاظمي)، حيث تسلم الحكومات المتعاقبة، منذ 2003 شخصيات من الصف الأول للأحزاب الإسلامية، مثل إبراهيم الجعفري، ونوري المالكي، وحيدر العبادي، وعادل عبد المهدي.
أبرز التحديات
وبترشيحه لرئاسة الحكومة المقبلة، فإن المشهد السياسي في العراق قد يتجه نحو مزيد من التصعيد؛ بسبب غياب الصدر عن هذا الترشيح، خاصة أن السوداني محسوب على فريق المالكي، وفي حال توجه نحو تشكيل الحكومة فإنه سيواجه صعوبات جمة، وفق محللين سياسيين.
وقال المحلل السياسي حمزة مصطفى إن “أبرز تحد سيواجه السوداني هو موقف التيار الصدري، إذ ما زالت المؤشرات مقلقة لغاية الآن، لكنها ستتبين خلال الأيام المقبلة، سواءً برفضه أو اتخاذ موقف آخر”.
وأضاف مصطفى في تصريح لـ”سكاي نيوز عربية” أن “التحدي الآخر، الذي سيواجه السوداني، هو آلية تشكيل الحكومة، وهل هو من سيختار وزراءه، أم الكتل التي سترشح عدة أسماء ليختار منها، خاصة أن ترشيحات الكتل جميعها ستكون لأعضائها وليس من المستقلين، وبالتالي ستكون اختياراته حزبية”.