واتفق خبيران سياسيان في تصريحاتهما لموقع “سكاي نيوز عربية”، على أن تأجيل اجتماعات اللجنة الدستورية سيعرقل مسار الملف السوري، خاصة أن الخلاف قائم بين الحكومة والمعارضة حول شكل العملية السياسية.
وأعلن المبعوث الدولي إلى سوريا غير بيدرسون، عدم إمكانية عقد الجولة الـ9 من اجتماعات اللجنة الدستورية في جنيف السويسرية، مطالبا جميع أطراف الصراع السوري بحماية العملية السياسية.
وجاء إعلان بيدرسون عقب تلقيه تأكيدا من رئيس وفد الحكومة السورية أحمد الكزبري، بشأن استعداد وفده المشاركة في المباحثات في حال تنفيذ الشروط الروسية.
وتوافق موقف الحكومة السورية مع الجانب الروسي، وفي منتصف يونيو الماضي، اقترحت موسكو نقل مقر اجتماعات اللجنة الدستورية من جنيف، وأشار المبعوث الروسي الخاص إلى سوريا ألكسندر لافرينتييف، إلى حاجة بلاده لنقل الاجتماعات إلى منصة أكثر حيادية، مشيرا إلى أن استمرار العمل في جنيف أصبح صعبا لروسيا نتيجة لمواقف سويسرا الأخيرة العدائية.
وتسبب مطلب روسيا في إثارة قلق الولايات المتحدة، في حين لم تفلح محاولات الأمم المتحدة في إقناع روسيا بإقامة الاجتماعات بموعدها، رغم تأكيدها على حيادية سويسرا كمنبر لاستقبال تلك الاجتماعات، دون طرح أي منصة بديلة عن جنيف لإجراء المباحثات حول الدستور السوري خلال هذه الفترة.
ومع اندلاع الحرب الأوكرانية، تبنت جنيف معظم عقوبات بروكسل ضد موسكو رغم أنها ليست عضوا بالتكتل الأوروبي، وشملت العقوبات حتى الرئيس الروسي فلاديمير بوتن وبعض الوزراء المقربين مع حظر بضائع روسية مثل الفحم ومواد البناء.
وعن احتمالية تغيير موسكو موقفها، أوضح غسان يوسف، المحلل السياسي السوري، أن تماشي سويسرا مع عقوبات الاتحاد الأوروبي ضد روسيا يعني خروجها عن الحياد الذي تبنته منذ عام 1815، لذا أصبحت جنيف من وجهة نظر موسكو لا تصلح مقرا لاجتماعات المتخاصمين.
كما يرى مدير المركز العربي للدراسات السياسية محمد صادق إسماعيل، أن روسيا سوف تتمسك بشرط نقل الاجتماعات من جنيف، متوقعا أن تصبح أستانة بديلا.
تعقد الأوضاع
على مدار 8 جولات سابقة، دارت مباحثات بين ممثلي الحكومة السورية والمعارضة والمجتمع المدني حول الدستور دون نتائج واضحة، نظرا لاختلاف أطراف الصراع حول شكل الدستور.
وتريد الدولة السورية إحياء دستور 2012 من جديد بإجراء تعديلات حول موضوعات سيادة الدولة والقانون ومحاربة الإرهاب، بينما ترفض المعارضة هذا المقترح وتطالب بكتابة دستور جديد يهدف إلى تأسيس اللامركزية في الحكم.
وخلال اجتماعات اللجنة الدستورية في شهري مارس ومايو الماضيين، ساهمت تداعيات الحرب الأوكرانية، باتساع الفجوة بين وجهات نظر أطراف الأزمة بشأن هوية الدولة وتعديل النشيد والعلم وآليات تداول السلطة، نظرا لتباعد الرؤى بين الأطراف الدولية المتداخلة في سوريا بالأساس.
وأوضح مدير المركز العربي للدراسات السياسية محمد صادق إسماعيل أنه مع تصاعد الحرب الأوكرانية، تتصاعد رغبة روسيا في تصدر المشهد الدولي وتزيد الولايات المتحدة من مواقفها لإثبات وجودها، ما يجعل سوريا بين مطرقة اجتماعات اللجنة الدستورية وسندان التوتر بين موسكو وواشنطن.
من جانبه اعتبر المحلل السياسي السوري غسان يوسف في حديث لموقع “سكاي نيوز عربية”، أن تأزم العلاقة بين روسيا والولايات المتحدة سينعكس سلبا على أي حل سياسي للأزمة السورية لطبيعة العلاقة القوية بين دمشق وموسكو، لامتلاك الثانية قواعد عسكرية في سوريا وتداخلها معها في الحرب ضد الإرهاب، إضافة إلى امتلاك واشنطن قواعد عسكرية ودعمها لقوات عسكرية شمال سوريا، متوقعا عدم انعقاد لجنة الدستور في القريب العاجل في ظل الخلاف حول مقر الاجتماعات.
مصير الدستور
وفيما يتعلق بمصير الدستور، يجد يوسف أن ليست هناك قناعة في سوريا بشأن كتابة الدستور بالخارج، لذا يصبح الحل الأمثل اجتماع مجموعة أستانة في دمشق لصياغة مواد الدستور وعرضه على الاستفتاء، مشددا على أن هذا السيناريو لن يحدث إلا في حالة وجود حل سياسي مناسب لجميع الأطراف.
أما إسماعيل فأشار إلى أن نقل اجتماعات الدستور لن يكون العائق الوحيد في المشهد السوري، نظرا لأن اجتماعات لجنة الدستور طالت دون طائل، لتعنت الآراء ورفض المعارضة جميع مقترحات الحكومة السورية واشتراط ممثلين المجتمع المدني شروطا أخرى، ما خلق 3 جبهات متصارعة يصعب تقريب مواقفها.
جدير بالذكر أن فكرة اللجنة الدستورية قد ظهرت من مؤتمر الحوار الوطني السوري، في سوتشي، نهاية يناير عام 2018، وتأسست بعدها بعام كإحدى السلاسل الأربع لقرار مجلس الأمن رقم 2254 لحل الأزمة السورية، بعد اتفاق الدول الضامنة لمسار أستانة “روسيا وإيران وتركيا” لإعادة كتابة الدستور بمشاركة أطراف الحكومة والمعارضة.