من وقت لآخر تطالعنا وسائل الإعلام بخبر يتكرر بصيغة أو بأخرى مفاده بأن الادخار المالي لدى الأسرة السعودية من بين الأقل مقارنة بالأسر في دول أخرى مشابهة أو قريبة من المملكة في اقتصاداتها أو نمط حياتها، ولا يفوت على المعلقين تقديم النصائح للأسرة السعودية بضرورة الادخار بوضع حسابات مالية جيدة لتكاليف الحياة تضمن ادخار الأسرة لنسبة من دخلها. وأما في وسائل التواصل الاجتماعي فحدّث ولا حرج، فقد تكاثر المنظرون الذين يدلقون كلاماً مجانياً مليئاً بالتوصيات والنظريات الادخارية وكأنهم يخاطبون أناساً تبعثر أموالها كيفما اتفق على توافه الأمور، ولا تعبأ بطوارئ الحياة أو تحسب لها حساباً، كلام فيه أحياناً قدرٌ من اللوم والتقريع، الذي قد يسبب الأذى للذين يسمعونه وهم بالكاد يتدبرون أمور حياتهم.
الطبيعي أن كل إنسان أو كل أسرة تتمنى التوفير والادخار، لكن لمن يوجه أولئك الناصحون كلامهم، هل يوجهونه لشريحة أصحاب الدخول المتوسطة التي بدأت تتآكل وتهبط إلى الشريحة المتدنية في ظل الغلاء الذي طال كل شيء، ونعني بكل شيء المواد الاستهلاكية الضرورية للحياة من مأكل ومشرب، وفواتير الكهرباء والماء والوقود، وأجرة السكن. هل يوجهونه لأسرة قد تدفع قرابة نصف دخلها لمدة عشرين عاماً في سبيل تدبير مسكن يتحكم في سوقه تجار الأراضي والمطورون؟!
إن ما يتحدث عنه بعض المنظرين في الادخار والتوفير يدخل في خانة المستحيل، والأفضل لهم وللناس أن يحللوا المشاكل التي جعلت الكثير يتمنون أن تقترب نهاية الشهر قبل إعلان إفلاسهم.