«سننسحب بسلام من قصر الرئاسة ومكتب رئيس الوزراء فورا لكن سنواصل كفاحنا»، كان هذا وعد حشود المواطنين المسيطرة على الأوضاع في العاصمة السريلانكية كولمبو الخطوة المقبلة في مستقبل البلاد الذي يظل مجهولا حتى هذه اللحظة، فالرئيس هرب إلى سنغافورة عبر المالديف بعد احتجاجات استغرقت عدة أشهر في جميع المدن رفضا لسياسات رئيس سريلانكا غوتابايا راجاباكسا وحكومته، حتى نجحت في إسقاطه.
«الوطن» طرحت على مواطنين سريلانكيين بين مسؤولين وخبراء ومواطنين، السؤال الذي يبحث عن إجابته السواد الأعظم من المهتمين بما يدور في تلك الجزيرة الواقعة في شمال المحيط الهندي جنوب شبه القارة الهندية، ماذا يحدث في سريلانكا؟
كيف بدأت الأزمة في سريلانكا؟
منذ نهاية عام 2019 تسببت جائحة كورونا في انهيار السياحة والتحويلات المالية في البلاد، وكلاهما من المصادر الكبيرة للنقد الأجنبي في سريلانكا، كما تسبب قرار جعل الزراعة في الدولة الآسيوية لتصبح عضوية بالكامل حتى تغطي على عدم القدرة على تحمل تكلفة الأسمدة العضوية، ما يعني انهيار القطاع بأكمله، وسرعان ما انزلقت سريلانكا لحالة انهيار اقتصادي كامل.
الفساد المستشري في البلاد تسبب في العديد من الأزمات وفي مقدمتها الارتفاع الهائل بالأسعار وانقطاع الكهرباء، ونقص الأدوية، ما جعل أصابع الاتهام تشير إلى شخص واحد فقط، وهو الرئيس، الذي مكن عائلته من مناصب مفصلية في البلاد، فرئيس الوزراء ووزير المالية و عشرات المسؤولين من عائلة راجاباكسا.
شوارع مكتظة بطوابير المحتجين والسيارات المعطلة
يقول الإعلامي السريلانكي الشهير إرساث محمد، مقدم برنامج (ماذا حدث؟) على قناة KIN TV إن سريلانكا حاليا تواجه أزمة اقتصادية هائلة، حيث زاد التضخم في البلاد ونتيجة لذلك وارتفعت أسعار البضائع بالإضافة إلى نقص في الدولارات في البلاد، ناهيك عن النقص الشديد في الوقود وارتفاع معدل التضخم بشكل كبير.
يضيف إرساث لـ«الوطن»: «يعتقد المواطنون أن الحكام هم المسؤولون عن هذه الأزمة، ونزلوا إلى الشوارع بسبب هذه الأزمة غير المسبوقة، ليس فقط عامة الناس، ولكن الأغنياء أيضا أصبحوا غير قادرين على المعيشة»، مشيرا إلى أنه بسبب الوضع المتأزم في البلاد، طالب كثير من الناس باستقالة الرئيس وحكومته وفي المرحلة الأولى استقال رئيس الوزراء، وفي الخطوة التالية حاصروا منزل رئيس البلاد الذي فر إلى الخارج.
ويوضح الإعلامي السريلانكي أن منزل رئيس الوزراء الذي أدى اليمين الدستورية أصبح أيضا تحت سيطرة المتظاهرين، والبرلمان محاط بالمحتجين وهناك توتر حتى الآن، إنها مشاعر المتظاهرين الذين يقاتلون منذ 92 يوما.
جوردن إبريت: الحكومة استغلت الشعب في سريلانكا
«استغلت حكومة راجاباكسا وعودها بالتخفيضات الضريبية حتى يتم انتخابها ، الأمر الذي انتهى بهبوط الإيرادات الحكومية إلى مستويات قياسية، أدى ذلك إلى مشكلة كبيرة في ميزان المدفوعات»، تلك الأسباب التي استهل بها الصحفي السريلانكي جوردن إبريت حديثه لـ«الوطن» عن الأوضاع في بلاده.
يوضح إبريت أن محافظ البنك المركزي الجديد للحكومة مضى قدما في حملة استخدام الاحتياطيات الأجنبية للدفاع عن العملة المحلية ضد انخفاض قيمتها، مع تسوية ديونها، وأدى هذا إلى انخفاض الاحتياطيات إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق، ما جعلها غير قادرة على دفع ثمن السلع الأساسية مثل الوقود والأغذية المستوردة.
حظر كارثي على الأسمدة أغرق البلاد في أزمة
يضيف الصحفي السريلانكي: «شرعت الحكومة السريلانكية في حظر كارثي بين عشية وضحاها على الأسمدة الكيماوية، مما قلل من المحاصيل الزراعية، هذا ما أدى إلى أزمة الغذاء الحالية، علاوة على ذلك فإن الفساد المستشري والكسب غير المشروع والإنفاق غير الضروري على مشاريع لا جدوى لها جعل الأمور تسير من سيء إلى أسوأ من حيث قدرتها على تخصيص أي أموال متبقية يصعب توفيرها للضروريات».
وتابع: «كان التضخم في هذه الأثناء يرتفع ، وسياسة عدم السعي للحصول على مساعدة صندوق النقد الدولي وبدلا من ذلك الاعتماد على الصين والاستثمار الأجنبي المباشر لم تسر كما كان متوقعا، وبعد ضغوط كبيرة قرر البنك المركزي بقيادة محافظ معين حديثا يواجه موعدا نهائيا لسداد الديون والاحتياطيات المتضائلة ، نحن نتحدث الآن عن تعويم العملة والتي شهدت انخفاضا قياسيا في القيمة بأكثر من 100 %».
يرى جوردن إبريت أن التأثير على تكلفة الواردات جعل الموقف الصعب يتحول إلى مستوى المستحيل، وأدى ذلك إلى إعلان التخلف عن سداد الديون قبل فترة وجيزة من سداده التالي، ووصل الوضع اليومي لشعب سريلانكا إلى وضع لا يمكن تحمله.
المتظاهرون استولوا على المؤسسات الحكومية في البلاد
وأكد الصحفي السريلانكي أن ذلك أدى إلى احتجاجات عامة في مارس الماضي والتي أدت إلى استقالة رئيس الوزراء ماهيندا راجاباكسا وحكومته، ومنذ ذلك الحين، استمرت الاحتجاجات المطالبة باستقالة الرئيس غوتابايا راجاباكسا والتي تصاعدت إلى فراره من الجزيرة أمس.
واختتم إبريت حديثه لـ«الوطن»: «في الوقت الحالي تم تعيين رئيس الوزراء المؤقت رانيل ويكرمسينغه رئيسا بالإنابة لكن المتظاهرين بقيادة الأحزاب السياسية المعارضة في البلاد استولوا على المؤسسات الحكومية الرئيسية وهددوا بالسيطرة على البرلمان».
كالافراشني كاناجراتنام: الحزب الحاكم درس تقديم استقالة الرئيس لتهدئة الأوضاع
في التاسع من يوليو الماضي قالت مدير تحرير صحيفة Athavan news السريلانكية، كالافراشني كاناجراتنام، إن الحزب الحاكم اجتمع لمناقشة الأوضاع في سريلانكا وسط الأزمات المتلاحقة ودراسة إمكانية استقالة الرئيس والحكومة لتهدئة الأوضاع.
وأضافت «كاناجراتنام» في اتصال هاتفي مع «الوطن»: «توصل قادة الحزب الحاكم إلى عرض الاستقالة على الرئيس السريلانكي في الاجتماع المستمر انعقاده حتى الآن».
ومنذ قليل أفادت وكالة «رويترز» بأن رئيس سريلانكا غوتابايا راجاباكسا، بعث بخطاب استقالة عبر البريد الإلكتروني إلى رئيس برلمان البلاد مساء الخميس.
دينولي فرانسيسكو: الشعب السريلانكي فقد الثقة في المسؤولين
من جانبها قالت دينولي فرانسيسكو، مديرة مكتب «ديلي ميرور» في سريلانكا، إن هورب الرئيس من البلاد يهدد بفراغ محتمل في السلطة، حيث تحتاج البلاد إلى حكومة إنقاذ للمساعدة في البدء بإخراجها من الخراب المالي وحالة الإفلاس التي تعيشها.
وأضافت دينولي في إتصال هاتفي لـ«الوطن»: «السياسيون من أحزاب المعارضة يتحدثون حاليا عن تشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة لكن لا توجد أي مؤشرات على أنهم على وشك التوصل إلى اتفاق حتى هذه اللحظة، دعني أقول لك أن من المحتمل ألا يوافق الشعب على الحكومة المقبلة نظرا لفقدان الثقة في المسؤولين».
وكانت السلطات في سريلانكا، أعلنت اليوم الخميس، حظرا للتجول، فيما أعلن المتظاهرون المعارضون للحكومة أنهم سيغادرون مباني المؤسسات العامة التي اقتحموها.
ويقول بيرنبارجاه سابيش، متظاهر سريلانكي من أمام قصر الرئاسة، لـ«الوطن»، إن المتظاهرين لم يصدقوا أنفسهم عند اقتحامهم القصر الرئاسي والجميع التقط الصور التذكارية من داخل القصر لتوثيق تلك اللحظات التاريخية.
وبحسب وسائل إعلام سريلانكية ناطقة بالإنجليزية، سلم متظاهرون في سريلانكا محكمة ملايين الروبيات التي تركها الرئيس راجابكسا عندما هرب من قصر الرئاسة، حيث قال متحدث باسم الشرطة إنها تسلمت نحو 17,85 مليون روبية طبعت حديثا، وستسلمها للمحكمة.