يجب على هذا التساؤل المؤرخ وعالم المصريات بسام الشماع والذي أكد أن مصر حضارة شعب وليست حضارة ملك أو ملكة بعينها، فالمجتمع المصري كانت له سلبيات وايجابيات فيه الخير والشر، لكن المهم كيفية تعامل القضاء والعدالة مع الحالات الإجرامية.
ويوضح في حديثه لسكاي نيوز عربية أن مصر القديمة كانت فيها جرائم مجتمعية، وكان يرفضها المصريون، وكان على المتوفى أن ينفي عن نفسه ارتكاب جرائم بعينها ويستخدم صيغة “لا لم أفعل” أو لا لم أتسبب في هذا أو ذاك” من الجرائم والخطايا لتبرئة ساحته في “قاعة العدالتين” والتي كان يعتقد أنه يقف فيها أمام 42 معبود وينفي عن نفسه 42 تهمة، وعليه إقناع المعبودات بمصيره في الجنة أو حقول الفردوس إن نجح في تبرئة ساحته وإن كان إنسان جيد أم سيء عن طريق القلب.
حالات القتل
وأضاف الشماعط أنه كانت هناك جريمة وحالات قتل، لكن كان هناك عقاب وقانون ودستور للتعامل مع هذه الأشياء، فمثلا وجدنا مكتوب: “لم آمر بالقتل”، وفي القوانين الحديثة المحرض على القتل يعد مشتركا في الجريمة، ففي مصر القديمة كان هناك أيضا “لم أتسبب في إرهاب أحد” وبالتالي الإرهاب كان جريمة في مصر منذ آلاف السنين، وهو ما تعاني منه المجتمعات في الوقت الحالي.
المؤرخ المصري يلفت إلى أنه من الأشخاص الذين اشتهروا بالبلطجة قديما شخص اسمه “بانب” كان ذو مكانة، لكنه كان شريرا وغير موزون عقليا وكان يرهب الناس، وقد كتبت عنه بردية وله آثار منحوت اسمه فيها، حيث ارتكب أكثر من ثلاثين جريمة، فقد كان أشبه ببلطجي غير موزون عقليا.
الشماع أشار إلى أن المصري القديم كان يبرئ نفسه من جرائم انتشرت في هذا الوقت فكان يبرئ ساحته بالقول: “لم أغش”، “لم أنتقص من الميزان”، “لم أزني في المكان الطاهر المخصص للمعبود”.
حقوق النساء والأطفال
وفيما يتعلق بحقوق النساء والأطفال، يوضح الشماع أنه كان على الشخص نفي عن نفسه الكثير من الممارسات أمام ساحة العدالتين بالقول: “لم أغتصب اللبن من فم الأطفال”، فأخذ حقوق الطفل كان جريمة، “لم أكن عاشق غلام صغير”، فالقوانين كانت تجرم مثلية الرجل مع الرجل أو مثلية الرجل مع الطفل، في وقت كان فيه الحضارة الرومانية من الممكن أن يقتني الشخص غلام للممارسات المثلية، وكذلك “لم أنظر لزوجة جاري” وهو نوع من التحرش بالنظر والذي كان مرفوضا.
فيما يتعلق بالحقوق العامة، يوضح الشماع أنه كان على المصري القديم أن يتبرأ من بعض التهم مثل: “لم أرتكب بذاءات في حق البشر”، “لم أتسبب في ألم” “لم أتسبب في بكاء أحد”، “لم أقتل”، “لم أتسبب في جوع أحد”، فقد كان هناك بلطجية يفرضون إتاوات على بعض التجار الصغار ما يؤثر على حياتهم ويتسبب في جوعهم، وفي أيام الملك رمسيس الثالث أنشأ حدائق للعشب للتنزه وجعل الشرطة تراقب عليها لمنع أي حالات تحرش، فمن الواضح أنه قد كانت هناك قوانين ملكية تمنع التحرش في مصر القديمة.
التعدي على البيئة والأنهار
أما التعدي على البيئة والأنهار مرفوضا وبحسب الدكتور بسام فقد كان على المصري القديم أن يؤكد أنه لم يشيد سدا على المياه المتدفقة ولم يحرم الماشية من مرعاها، “لم أطفف في الميزان”، “لم أغش في مساحة الأراضي المنزرعة”، “لم أطفئ نار كانت متأججة”.
يشدد عالم المصريات على أن المصري القديم حينما كان يكتب النصوص الخاصة بالعدالة وفي المقابل كان يصف نفسه بكلمة “أيماخو” وهي كلمة تعني أنه شخص المبجل أو المحترم، ففكرة أن تكون إنسانا محترما كانت محببة في المجتمع المصري القديم بعكس البلطجي.
ويلفت الشماع إلى أن كلمة بلطجي تعود لفرقة جنود راقية في الجيش العثماني يتم تدريبهم على استخدام البلطة، وكان هذا الفيلق يسبق الجيش لإزالة أي أشجار أو غابات تعيق تحرك الفيالق العسكرية في الجيش، حيث كان يتم التعامل مع هذا الشجر بالبلطة، كما تتعامل مع أسوار القلاع بالبلطة وتكسرها، فهي كانت فرقة راقية ومفيدة في الجيش وكانوا لهم لبس موحد ولهم دراسة لكن الكلمة تم تغييرها مع مرور الوقت.