ما بين عامي 1904 و1905، تابع العالم عن كثب وقائع الحرب اليابانية الروسية التي انتهت بهزيمة الروس وقبولهم بمعاهدة بورتسموث (Portsmouth). وعقب انتصارهم بهذه الحرب، حصل اليابانيون على مناطق كوانتونغ (Kwantung) وأجزاء من جزيرة ساخالين ليبرزوا بذلك كقوة عالمية صاعدة بأقصى شرق آسيا.
بالإمبراطورية الروسية، وقع خبر الهزيمة وقع الصاعقة على الروس الذين تحدث كثير منهم عن فقدان بلادهم لهيبتها على الصعيد العالمي. وبسبب ذلك، عاشت روسيا القيصرية، أثناء فترة حكم القيصر نيقولا الثاني، بالسنوات التالية على وقع اضطرابات سياسية أسفرت عن سقوط عدد هام من القتلى.
المدمرة بوتمكين
منذ معركة تسوشيما (Tsushima)، ما بين يومي 27 و28 أيار/مايو 1905، التي تكبدت خلالها البحرية الروسية هزيمة مذلة على يد نظيرتها اليابانية، عاشت البحرية الروسية على وقع حالة من الإنفلات والإضطرابات حيث عجز الضباط عن كبح جموح البحارة الغاضبين الذين رفض كثير منهم الإنصياع للأوامر.
وعلى اليابسة، شهدت الإمبراطورية الروسية على مدار أشهر احتجاجات عمالية تزامنت مع إضرابات وتمردات جاء أهمها خلال يوم 22 يناير/جانفي 1905 الملقب بالأحد الدامي والذي سقط خلاله عدد هام من الروس قتلى بعد أن فتحت قوات القيصر النار عليهم.
وبصفوف البحرية، تمكن القائد والكابتن غوليكوف من الحفاظ على الأمن والإنضباط على متن المدمرة بوتمكين (Potemkin) المصنفة حينها كأهم سفن الأسطول الروسي.
إلى ذلك، دخلت هذه المدمرة الخدمة ما بين عامي 1903 و1904. وقد قدر طولها بنحو 130 مترا بينما بلغ وزنها أكثر من 12 ألف طن. فضلا عن ذلك، حملت المدمرة بوتمكين على متنها قرابة 700 بحار انتدب جميع من أوساط فلاحية وأرسلوا للعمل لصالح البحرية لتعويض النقص الفادح في البحارة عقب الحرب الروسية اليابانية.
لحم فاسد وتمرد
اثناء اجرائهم لأحد التدريبات الروتينية بالبحر الأسود قرب مينا أوديسا، اكتشف بحارة المدمرة بوتمكين يوم 27 حزيران/يونيو 1905 وجود لحم فاسد استعد الطباخون لطبخه على الغداء. ومع قدومه على عين المكان، حاول الطبيب سميرنوف (Smirnov) طمأنة بحارة المدمرة بوتمكين مؤكدا على إمكانية تناول هذا اللحم في حال غسله بشكل جيد بالخل.
بحلول وقت الغداء، رفض البحارة تناول الطعام وهاجموا طباخي المدمرة بوتمكين. وأملا في إعادة فرض الأمن، ارتكب قائد المدمرة خطأ فادحا أقدم من خلاله على جمع جميع البحارة بمكان واحد على سطح السفينة ليؤكد لهم عدم امتلاكه لأي طعام آخر يمنحهم إياه بدل اللحم الفاسد.
ومن ضمن هؤلاء البحارة، تواجد الثوري أفنازي ماتيوشينكو (Afanasi Matushenko). ومستغلا حالة الإنفلات على متن المدمرة بوتمكين، أجج الأخير غضب زملائه البحارة الذين اتجهوا للعصيان والتمرد.
وفي خضم هذا التمرد الذي قتل خلاله قائد المدمرة بوتمكين والعديد من الضباط على يد البحارة المتمردين، اتجهت السفينة الحربية الروسية نحو أوديسا للتزود بالفحم. وهنالك، فتح المتمردون نيران مدافعهم تجاه مجموعة من الجنود الروس قرب الميناء.
أمام هذا الوضع، أعلن القيصر الروسي نيقولا الثاني حالة الحرب بأوديسا وأمر بإرسال فيالق عسكرية نحو المنطقة. ومع وصولهم، تمكن الجنود الروس من إنهاء حالة التمرد متسببين في سقوط مئات القتلى في صفوف المتمردين.
إلى ذلك، امتدت الإحتجاجات لتبلغ أرجاء أوديسا التي تعاطف سكانها مع المتمردين. وأملا في انهاء هذا التمرد بشكل نهائي، أصدرت الحكومة الروسية أمرا بإغراق المدمرة بوتمكين. وفي الاثناء، رفض أفراد البحرية الروسية تطبيق هذا الأمر واعتبروه إهانة لهم.
يوم 2 تموز/يوليو 1905، فرت المدمرة بوتمكين نحو رومانيا أين حصل طاقمها على اللجوء. وبالفترة التالية، أعادت رومانيا البارجة بوتمكين للسلطات الروسية التي اتجهت لتغيير اسمها أملا في طمس قصتها.