الأحزاب السياسية الليبية… اتجاه متزايد لـ«الاندماج» لمواجهة «الهشاشة»
وسط تزايد أعداد الأحزاب السياسية في ليبيا خلال العقد الماضي، تباينت آراء سياسيين ورجال أحزاب بشأن دوافع الاتجاه الكبير لهذه الكيانات لـ«الاندماج في تحالفات». وفيما يرى عدد من المتابعين للحياة الحزبية في ليبيا ضرورة ائتلاف هذه الأحزاب فيما بينها لتتمكن من التواصل مع الأطراف السياسية، يعتقد معسكر آخر أن سبب هذا الاتجاه مرده لـ«هشاشة» القاعدة الشعبية للأحزاب.
وعلاوة على ستة تكتلات حزبية خرجت إلى النور منذ 2022، انخرط 14 حزباً سياسياً في تحالف جديد تحت اسم «الاتحاد الوطني للأحزاب الليبية» خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. ورغم أنه لا تتوفر تقديرات موثقة لإجمالي عدد الأحزاب المعتمدة رسمياً من قِبل لجنة حكومية تابعة لحكومة «الوحدة» في غرب البلاد، فإن تقديرات غير رسمية تذهب إلى أنها تقارب 95 حزباً، اندمج الكثير منها ضمن تحالفات.
ويشير رئيس أحد هذه الائتلافات، وهو رئيس «الحراك الوطني للأحزاب الليبية»، عمار الديب، إلى ضرورة تشكيلها قائلاً إن هدفها «الدفاع عن حق الأحزاب في المشاركة في العملية السياسية، والعمل على حلحلة الانسداد السياسي في بلد يعاني انقساماً منذ عام 2011».
في المقابل، لا يراهن عضو مجلس النواب الليبي، عبد السلام نصية، على ثراء وتطور التجربة الحزبية الناشئة في ليبيا عبر هذه الائتلافات، بل عدّها «انعكاساً لهشاشة الأحزاب المكونة لها، وضعف برامجها وضيق قاعدتها الشعبية»، حسب تعبيره.
وإلى جانب «الاتحاد الوطني للأحزاب الليبية»، يوجد في ليبيا 6 تحالفات، هي: الحراك الوطني للأحزاب الليبية، ورابطة الأحزاب الليبية، والتجمع الوطني للأحزاب الليبية، وتنسيقية الأحزاب السياسية الليبية، وتجمع الأحزاب الليبية، وشبكة الأحزاب الليبية.
ويشرح نصية وجهة نظره بشأن تلك التحالفات، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» قائلاً إن «التكتل الحزبي يكون ضمن ائتلاف حكومي أو تأييداً لقضية معينة لزمن محدد».
واستبعد عضو مجلس النواب الليبي محاكاة تلك التحالفات لتجربة حزب «تحالف القوى الوطنية»، برئاسة السياسي الليبي الراحل محمود جبريل، موضحاً أن الأخير «ضم أحزاباً ذابت في التحالف بقيادة واحدة ومشروع واحد، في حين أن أحزاب هذه التكتلات تحتفظ بشخصيتها وبرامجها ورؤسائها».
وتحالف «القوى الوطنية» هو ائتلاف ليبرالي التوجه، تشكّل بعد ثورة 17 فبراير (شباط) 2011، وخطف الأضواء بعد فوزه في انتخابات (المؤتمر الوطني العام) 2012 أمام منافسيه الإسلاميين.
لكن الديب، رئيس «الحراك الوطني للأحزاب الليبية»، وهو أيضاً رئيس حزب «التجمع الوطني»، يرى في تصريح لـ«الشرق الأوسط» ضرورة وجود «التكتلات السياسية الليبية»، وأرجع ذلك إلى ظروف الانقسام السياسي والأمني التي تعانيها البلاد؛ «إذ تجعل مكوناتها الحزبية أعلى صوتاً في التعامل مع الأجسام السياسية القائمة، بدلاً من التفاوض بشكل فردي ودون تنسيق».
وعلاوة على تواصل التكتلات مع المجلس الرئاسي ومجلسي النواب والدولة، فإن نائب رئيس حزب «الشعب الحر»، الدكتور محمد مخلوف، يشير أيضاً إلى تواصل التكتلات مع المنظمات الدولية مثل البعثة الأممية، منوهاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى «مشاركة التكتلات القائمة بآراء استشارية مهمة مع البعثة الأممية».
وفي مايو (أيار) الماضي، بحثت المبعوثة الأممية إلى ليبيا بالإنابة، ستيفاني خوري، مع قادة ومنسقي عدد من الأحزاب والكتل السياسية الليبية سبل الدفع بالعملية السياسية قدماً.
بالنسبة لزميل أول بمعهد الدراسات الدولية في جامعة جونز هوبكنز، الليبي حافظ الغويل، فإن التواصل بين التكتلات الحزبية لا يقتصر على البعثة الأممية فحسب، بل «يشمل حكومات غربية وفاعلين سياسيين في أميركا وأوروبا».
وكشف الغويل عن أنه يسّر لقاء بين تكتل أحزاب سياسية للتواصل مع أطراف أميركية، وقال إنه رغم أن تلك الأحزاب «تمتلك مشروعاً سياسياً مقنعاً للغرب»، فإن «غياب قاعدتها الشعبية يجعل من الصعوبة بمكان التعامل معها بجدية»، وفق الغويل.
وإذ انتقد الباحث الليبي «غياب الحاضنة الشعبية لهذه الأحزاب ومواقفها، وبياناتها الدبلوماسية من أحداث تستوجب مواقف واضحة تخاطب رجل الشارع»، فإنه أرجع ذلك إلى غياب «حرية الرأي في المنطقتين الشرقية والغربية بنسبة متفاوتة».
ورغم أهمية دور الأحزاب والتكتلات الحزبية في المشهد الليبي، فإن الناشط والمحلل السياسي إبراهيم بلقاسم، يرى أن «التجربة الحزبية الليبية معقدة بفعل عوامل تاريخية وبنيوية»، مشيراً في الوقت نفسه إلى «تذبذب عمل لجنة شؤون الأحزاب، التي لم تنتظم في اعتماد الأحزاب منذ أعوام».
ودعا بلقاسم في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى ضرورة «تطوير البنية التشريعية والقانونية الحاكمة لعمل الأحزاب السياسية ذات التجربة الوليدة في عام 2011».
ولم تعرف ليبيا التجربة الحزبية، سواء في عهد الملك محمد إدريس السنوسي، أو في فترة حكم الرئيس معمر القذافي، التي دامت أكثر من 42 عاماً.
المصدر : وكالات