خلال فترة رئاسته الأولى، انسحب الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب من «الاتفاق النووي» بين إيران والقوى العالمية، وفرض عقوبات اقتصادية صارمة على طهران، وأمر بقتل العقل المدبر للعمليات الخارجية في «الحرس الثوري»، الجنرال قاسم سليماني. ويوم الجمعة الماضي، كشفت وزارة العدل الأميركية عن تفاصيل خطة إيرانية لاغتيال ترمب قبل الانتخابات الرئاسية الأخيرة.
لكن، على الرغم من هذا التاريخ المشحون بين البلدين، فقد دعا الكثير من المسؤولين السابقين والخبراء بل الصحف في إيران الحكومة علناً إلى تحسين العلاقات مع ترمب بعد إعلان فوزه الساحق بالانتخابات، حسب ما نقلته صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية.
فعلى سبيل المثال، نشرت صحيفة «شرق» الإيرانية افتتاحية، قالت فيها إن الرئيس الإيراني الجديد الأكثر اعتدالاً مسعود بزشكيان يجب أن «يتجنّب أخطاء الماضي، ويتبنّى سياسة براغماتية ومتعددة الأبعاد».
ويتفق كثيرون في حكومة بزشكيان مع هذا الرأي، وفقاً لخمسة مسؤولين إيرانيين طلبوا من «نيويورك تايمز» عدم نشر أسمائهم.
وقال المسؤولون إن ترمب يحب عقد الصفقات التي فشل فيها آخرون، وإن هيمنته الضخمة في الحزب الجمهوري قد تمنح أي اتفاق محتمل مزيداً من القوة للبقاء. ويزعمون أن هذا قد يُعطي فرصة لنوع من الصفقة الدائمة مع الولايات المتحدة.
ومن جهته، كتب أحد الساسة البارزين، المستشار السياسي السابق للحكومة الإيرانية، حميد أبو طالبي، في رسالة مفتوحة إلى الرئيس الإيراني: «لا تضيّعوا هذه الفرصة التاريخية لتغيير العلاقات بين إيران والولايات المتحدة».
ونصح أبو طالبي بزشكيان بتهنئة ترمب على الفوز في الانتخابات، والتواصل معه بنبرة جديدة، تؤكد أن بلاده تسعى لاتباع سياسة عملية تتطلّع إلى مستقبل أفضل مع الولايات المتحدة.
ونقلت «وكالة أنباء الطلبة الإيرانية» (إسنا) عن المتحدثة باسم الحكومة فاطمة مهاجراني قولها، يوم الثلاثاء، إن بلادها ستسعى لتحقيق كل ما يحقّق «مصالحها»، وذلك رداً على سؤال عن إمكانية إجراء محادثات مباشرة مع إدارة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.
ومع ذلك، فإن القرارات الحاسمة في طهران يتخذها المرشد الإيراني علي خامنئي الذي حظر المفاوضات مع ترمب خلال فترة ولايته الأولى.
ويؤكد الخبراء أنه حتى لو أراد بزشكيان التفاوض مع ترمب فسوف يتعيّن عليه الحصول على موافقة خامنئي.
انفتاح تجاه ترمب
وأبدت إيران بعض الانفتاح تجاه ترمب، السبت، داعية الرئيس الأميركي المنتخب إلى تبنّي سياسات جديدة تجاهها، بعد اتهام واشنطن لطهران بالتورّط في مخطط لاغتياله. وحضّ نائب الرئيس الإيراني للشؤون الاستراتيجية محمد جواد ظريف ترمب على «تغيير» سياسة «الضغوط القصوى» التي اتبعها مع طهران خلال ولايته الأولى.
وقال ظريف للصحافيين: «يجب على ترمب أن يُظهر أنه لا يتبع سياسات الماضي الخاطئة». وقال ترمب بعد الإدلاء بصوته في الانتخابات الأسبوع الماضي إنه «لا يسعى إلى إلحاق الضرر بإيران».
وأضاف: «شروطي سهلة للغاية. لا يمكنهم امتلاك سلاح نووي. أود منهم أن يكونوا دولة ناجحة للغاية».
وقال المتحدث باسم «الخارجية» الإيرانية إسماعيل بقائي، الخميس، إن فوز ترمب يمثّل «فرصة لمراجعة وإعادة النظر في التوجهات غير الصائبة السابقة» لواشنطن.
ومن ناحيته، قال وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، إن إيران تحترم اختيار الشعب الأميركي في انتخاب رئيسه، وإن الطريق إلى الأمام لإيران والولايات المتحدة يبدأ بـ«الاحترام» المتبادل و«بناء الثقة».
«التفاوض مع ترمب خيانة»
قال المحلل المحافظ في طهران، رضا صالحي، إن التفاوض مع ترمب سيكون تحدياً سياسياً للحكومة الإيرانية الجديدة.
وقد أعرب المحافظون بالفعل عن استيائهم من هذه الاحتمالية، قائلين إن أي تفاوض مع ترمب سيكون «خيانة للجنرال قاسم سليماني» الذي أمر الرئيس المنتخب باغتياله في عام 2020.
ونشرت صحيفة «همشهري»، وهي صحيفة محافظة تديرها حكومة بلدية طهران، صوراً على الصفحة الأولى لترمب مرتدياً بذلة برتقالية وأصفاداً، مع تعليق: «عودة القاتل». ومع ذلك، قال صالحي: «أنا أعارض هذا الموقف، وأقول إن ترمب سيفيد إيران مقارنة بسلفه».
وأضاف: «إنه مهتم بإبرام الصفقات؛ إنه مهتم بإنهاء الحروب، وهو ضد بدء حروب جديدة».
وقال المبعوث الأميركي السابق لشؤون إيران، برايان هوك، خلال إدارة ترمب الأولى، لشبكة «سي إن إن» يوم الخميس، إن الرئيس المنتخب «ليست لديه مصلحة في تغيير النظام في إيران»؛ لكنه «مقتنع أيضاً أن المحرك الرئيسي لعدم الاستقرار في الشرق الأوسط هو النظام الإيراني».
سياسات تروق لإيران
يقول المسؤولون الإيرانيون الخمسة لـ«نيويورك تايمز»، إن الكثير من أهداف السياسة الخارجية المعلنة لترمب -مثل: إنهاء الحروب في غزة ولبنان، وإنهاء الحرب في أوكرانيا، وأجندة «أميركا أولاً»- تروق لإيران.
ولفتوا إلى أن إنهاء الحروب في غزة ولبنان قد يساعد في تجنّب حرب أوسع نطاقاً بين إسرائيل وإيران التي تدعم «حماس» في غزة و«حزب الله» في لبنان. كما أن إنهاء الحرب في أوكرانيا قد يخفّف الضغوط عن إيران لتزويد روسيا بالأسلحة.
وقد تعني سياسة ترمب الداخلية «أميركا أولاً» أنها ستخفّض اهتمامها بشؤون البلدان الأخرى، وتركز على شؤونها الداخلية بشكل أكبر.
وكتب محمد جواد ظريف، لترمب على منصة «إكس» قبل أيام: «لقد تحدّث الشعب الأميركي، بمن في ذلك معظم المسلمين، بصوت عالٍ وواضح، عن رفض سنة مخزية من التواطؤ الأميركي في إبادة إسرائيل في غزة والمجزرة في لبنان».
The American people, including most Muslims, have spoken loud and clear in rejecting a shameful year of US complicity in Israel’s genocide in Gaza and carnage in Lebanon.Let us hope that the incoming administration of @realDonaldTrump and @JDVance will stand against war as…
— Javad Zarif (@JZarif) November 7, 2024
وأضاف: «نأمل أن تقف الإدارة المقبلة بقيادة ترمب ودي فانس ضد الحرب كما تعهدت، وأن تأخذ بعين الاعتبار الدرس الواضح الذي قدّمه الناخب الأميركي بضرورة إنهاء الحروب ومنع أخرى جديدة».
ومن ناحيته قال نائب الرئيس السابق، محمد علي أبطحي، في مقابلة من طهران، إن نصيحته هي «تحويل الخوف من تهديدات ترمب إلى فرصة جيدة لتحسين العلاقات الدبلوماسية معه».
وقال: «يحب ترمب أن ينسب إلى نفسه الفضل في حل الأزمات، وإحدى الأزمات الرئيسية الآن هي الأزمة بين إيران وأميركا».
وأكد أبطحي أن هناك استراتيجيتين متنافستين قيد المناقشة في دوائر السياسة الإيرانية؛ إحداهما تدعو إيران إلى المضي قدماً بتحدٍّ وتعزيز ميليشياتها بالوكالة في الشرق الأوسط، لردع الولايات المتحدة وإسرائيل، والأخرى تدعو إلى التفاوض مع ترمب.
وقال المحلل الإيراني رحمن قهرمانبور، إن طهران ليس لديها الكثير من الخيارات.
وتابع: «إن الحفاظ على الوضع الراهن مع الولايات المتحدة لمدة أربع سنوات أخرى أمر غير قابل للاستمرار. إن الاقتصاد يتدهور تحت وطأة العقوبات وسوء الإدارة، والتضخم يرتفع بشكل كبير، ولا يزال السخط المحلي مرتفعاً».
وأضاف قهرمانبور: «نحن لا نريد مزيداً من العقوبات، ومزيداً من عدم الاستقرار. ولكن في الوقت نفسه، فإن الاتفاق الشامل مع ترمب يجب أن يتم بشكل يضمن حفظ ماء وجهنا محلياً. سيكون هذا هو التحدي الأكبر».
المصدر : وكالات