قصة قصيرة “الملاذ” للأديب العراقي فاضل الربيعي

إسلام جمال5 سبتمبر 20221 مشاهدة
قصة قصيرة “الملاذ” للأديب العراقي فاضل الربيعي
قصة قصيرة “الملاذ” للأديب العراقي فاضل الربيعي
يتجه بخطى سريعة نحو ولده الذي كان قابعاً في
( التكتك ) ممكسًاً بكيس من رقائق البطاطس وعبوة
شراب غازي , لفت نظره فتاة تقف قرب ولده تتكلم
معه وأسامه أسدل عينيه لأسفل وهو يحمل بعض
من الدفاتر الخاصة بالتلوين وأقلام تلوين ماجك التي
اعتاد عليها وشغف بها جدا , تعلو وجهه بسمة رقيقة
كعادته وهو يتلقى كلماتها بدون اهتمام ,
تلاطمت التساؤلات أمام عينيه وهو يتقدم نحو ولده ,
ماذا تريد ؟ لماذا قرب ولده ؟ ماذا تقول له ؟
وصل للمكان وقف يحدق بها انتبهت أليه الفتاة لفتت
نظرها نحوه, استغرب الرجل لوجودها قالت بصوت واثق .
: – كنت اطلب منه توصيلي لبيتي ولكن ؟
ابتسم ألآب وقال لها
: – انه مريض يا أبنتي وصعب عليه فهمك , مع ذلك
تفضلي أوصلك الى دارك ,
أنزلقت الفتاة داخل التكتك انطلق ألآب وبدت عيناه
أسيرة غزو لدمعات تترجم حزن قلب تحمل من الشجن
مالا يطاق . أنتبهت الفتاة لدموع الرجل قالت بصوت
توشح بلوعة خفية
: – بماذا يشكو هذا الشاب الوسيم , الهاديء.
أجابها الآب بصعوبة وهو يحبس حزنه المباح
: – مرض الصرع الذي افقده حيويته وحياته
القويمة وصار كما ترين أسير الوهن والضياع.
نظرت الفتاة بشغف الى وسام وانكمشت اساريرها
وصارت
تشارك ألآب دوامة ألألم وَتُتمتم
: – حرام والله , مسكين قطع قلبي .
: – أمر الله أبنتي ونحن نصبر احتساباً .
: – لاحظت انه يحمل دفتر تلوين وأقلام , هل يحب ذلك ؟
:– نعم أبنتي هو مولع بذلك وله ذوق في أختيار ألأغاني
الجميلة , ولكن تلوينه على قدر إمكانياته البسيطة ويحب
متابعة ما ارسم له بشغف.
: – وهل عالجتموه ؟
: – لم نتقاعس يوما عن ذلك . ولكن بدون جدوى .
بنظرات عطف تقول للأب
: – أظن أن هناك شريحة سمعت عنها تزرع بالجسم
تنظم العصب التائه المسؤول عن حالته وينظم
كهربائية ألإشعارات.
يلتفت لها ويقول
:- نعم . وموعدنا قريب لذلك , والله المستعان .
تهدا الفتاة وتنشرح أساريرها وتقول
:- يا رب . عسى أن تنفرج أبواب الرب لكم .
ويمضي الوقت عصيبا لمرارة الانتظار , يتوجه ألآب
وألأم وأخوه مصطفى مع ولدهم لمستشفى الدكتور
سعد الوتري لأجراء العملية بالموعد المحدد , عسى
أن تبتهج ألأوقات بلا نكد وتصفو ألأيام
. لم يكن سهلا أن يستسلم أسامه للتحليلات الخاصة
بالعملية وكان جهد من حوله كبيرا لترويضه إنما يعكس
حبهم وحرصهم علية أملاً أن تكون ألأحلام حقيقة ,
صار أسامه تحت عناية مشرط الطبيب وضمن رعاية
الودود سبحانه ,
وزرعت الشريحة ودموع أهله تتسابق نحو الجفون ,
لم تسكت ألألسن عن ولوج التضرع لله , وكل القلوب
وجمة تنتظر كرم الرب ونجاح المساعي المتعبة والمؤلمة
كان وحيدا في غرفة العمليات وانتهت خطوات التداخل
الجراحي ,كان مستلقياُ على ظهره يعلو وجهه وجوم
وشيء من الصفرة , يتنفس بهدوء , حاول الطبيب
إيقاظه من مخدر العملية , هتف باسمه بدون جدوى ,
صفعه على خده برقة ليستجيب ويصحو من سباته ,
فتحت عيناه قلقة تتسلق الوجوه حذرة يسكنها خوف
وترقب , يفتش عن ملاذ تأثر بالصفعة وهو غير معتاد
على مثل ذلك غار بقلبه جرح عميق , سني عمره قاربت
العقدين , عاش أسير خوف من شيء يجهله وتلاشى
بضياع عن مسايرة أقرانه بعمره تفتك به نوبات الصرع
الخبيثة تلفظه أشلاء بلا شفقة , يموت كل ما مرت به
نوبة قاسية لا يملك ردها , تصرخ أوصاله صرخات أقوى
من حنجرته ألما , ومن حوله قلوب تذوب مع كل ضغطة
لجسده المنهك , وقلوب لا تملك سوى التضرع وألألم
وأمل يلفه اليأس حينما ترتجف الجفون بشكل هستيري
وتحلق العيون عاليا وتنزف القلوب دمعا ساخنا.
صرخ أسامه ليدافع عن ضعفه ووهنه
: – عمو ا بسطك .
سمع صراخه أخوه مصطفى الذي كان قلقا خارج
صالة العمليات دخل مذعورا نحو أخيه انحنى عليه
ودموعه عزيرة بين الجفون , طوقه بذراعيه وقال:
 – حبيبي أسامه من ضربك ( ابسطه ) شد ذراعيه حول
إخيه وسحب نفسا عميقا , ترتخي أوصال أسامة أمناً ,
لقد وجد ألأمان بين غربة الوجوه وتمزقت حيرته بلهفة ,
طوق ذراع أخيه وقال لمصطفى
:- عمو بسطني .
تمعن الطبيب بالنظر للأخوين وأدرك المعنى ففاضت
عيناه دمعات وقال
: – خذوه … ربنا يرعاه .
أجاب مصطفى الدكتور وهو يحس بعمق ألأنسانيه
التي أبداها الطبيب
:- نعم دكتور ليس هناك ملاذ إلا الله وهو القادر على
نهاية معاناته الطويلة المؤلمة.
التفت حوله عائلته وساروا معه نحو ردهته لمراقبة
وضعه الصحي وهم يلهجون بذكر الرب الذي لا ينسى
عذابات أسامه المزمنة وينتظرون الفرج من ملاذ
امتلك الكون والشفاء
فاضل محمد الربيعي
اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

عاجل