على غرار الهجرة الجماعية في صيف العام 2015 حين كان مئات آلاف اللاجئين السوريين يسعون للوصول إلى أوروبا، يحاول السوريون مجدداً في هذه الأيام الوصول إلى بلدٍ أوروبي انطلاقاً من ليبيا والجزائر والمغرب هذه المرة.
حيث راحوا يخرجون في مراكب صغيرة غير شرعية للوصول إلى إيطاليا وإسبانيا ومنهما إلى بلدانٍ أوروبية متعددة كألمانيا وهولندا وبلجيكا.
فكيف يتمّ ذلك؟
تنطلق الرحلات بشكلٍ أساسي من إقليم كردستان العراق ولبنان عبر مطاري أربيل وبيروت الدوليين، إذ يمكن بسهولة مغادرة البلدين باتجاه مدينة بنغازي الليبية عبر رحلاتٍ جوّية مباشرة ومنها إلى العاصمة طرابلس التي يتمّ فيها التنسيق مع أصحاب المراكب البحرية استعداداً للانطلاق نحو إيطاليا، وفق ما كشف لـ”العربية.نت” عددٌ من المهاجرين السوريين الذين ينتظرون موعد انطلاق رحلتهم البحرية من طرابلس إلى إيطاليا والذين يؤكدون وصول آخرين من دولٍ أخرى بينها مصر.
-لاجئون في ليبيا (أرشيفية- فرانس برس)
وتختلف المعاملة مع اللاجئين السوريين الراغبين بمغادرة ليبيا إلى إيطاليا، من مدينة ليبية إلى أخرى، فبنغازي عادةً ما تكون مدينة عبور للوصول إلى طرابلس نظراً لعدم وجود رحلاتٍ جوية مباشرة إلى العاصمة الليبية، لكن بعد ذلك تختلف المعاملة تماماً، وفق ما يؤكد مهاجر ينتظر موعد انطلاق المركب ويتعامل مع عددٍ من “المهرّبين” الذين خطفوا لاجئين سوريين وطلبوا من عائلاتهم إرسال مبالغ مالية إضافةً لتلك التي دفعوها سابقاً لطرفٍ ثالث خارج ليبيا.
تحولت إلى ظاهرة
فيما أوضح الناشط الحقوقي الليبي عبدالله الغرياني أن “اختطاف المهاجرين من قبل المهرّبين وطلب فدية مالية من عائلاتهم تحوّلت إلى ظاهرة في ليبيا رغم أن المهرّبين قبل سنوات كانوا يحاولون منح اللاجئين الراغبين بالتوجّه من ليبيا إلى إيطاليا فكرة جيدة عن التهريب، بحيث كانوا يلتزمون بالفعل بإيصالهم إلى جزرٍ إيطالية، لكن هذا الأمر تغيّر لاحقاً”.
لاجئون في ليبيا (أرشيفية- فرانس برس)
كما أضاف لـ “العربية.نت” أن “المهرّبين باتوا يتبعون سلوكاً آخر اليوم كمقايضة عائلات اللاجئين على دفع مبالغ مالية إضافةً لأجرة نقلهم إلى إيطاليا، وهو أمر يحصل مع المهاجرين الأفارقة والسوريين، وبالتالي ملف التهريب بات في غاية التعقيد الآن بعدما تحوّل المهرّبون إلى ما يشبه أعضاء في منظماتٍ إجرامية عابرة للحدود لاسيما وأنهم يطلبون من عائلات المختطفين لديهم دفع المبلغ المطلوب لطرفٍ ثالث خارج الأراضي الليبية”.
20 ألف دولارٍ
في حين تتجنب العائلات السورية التطرّق لأسماء المهرّبين أو السماسرة الذين يتعاملون معهم حفاظاً على حياة أبنائهم وخشية من تعذيبهم عند تسريب أي معلوماتٍ عنهم، لكن واحدة من تلك العائلات أشارت لـ “العربية.نت” إلى أن نجلهم اعترض على حجم المركب الذي كان سيغادر فيه الأراضي الليبية باتجاه إيطالياً، ولذلك تمّ احتجازه في أواخر سبتمبر الماضي من قبل المهرّبين الذين طالبوا العائلة بدفع مبلغ 20 ألف دولارٍ أمريكي كشرطٍ لإطلاق سراحه.
فيما روى مهاجر سوري آخر، أن المهرّبين يرغمون اللاجئين السوريين وغيرهم من الراغبين بالوصول إلى إيطاليا، على الصعود إلى مراكبٍ صغيرة رغم اعتراضهم على عدم وجود مساحةٍ كافية لهم داخل القارب.
مهاجرون معتقلون في ليبيا (أرشيفية- أسوشييتد برس)
مهربون مسلحون
كما أكد الشاب الذي ينتظر رحلته إلى إيطاليا أن “المهرّبين مسلّحون وبإمكانهم خطف أي لاجئ، إذا حصل أي خلاف مادي بينهم وبين الراغبين بالوصول إلى إيطاليا”.
وفي هذا الصدد، شدد الغرياني على أن “أطراف أجنبية بينها تركيا تلعب دوراً سلبياً في مسألة الهجرة من ليبيا والتي يتمّ استعمالها كورقة ضغط على الاتحاد الأوروبي، ولذلك تتساهل مع وجود عصابات تهريب البشر في مناطق سيطرة الميليشيات المدعومة من أنقرة في مدنٍ وبلداتٍ متفرّقة من البلاد خاصة تلك التي تقع جنوب غربها”.
تساهل الميليشيات
كما تتساهل الميليشيات المسلّحة المحلّية مع شبكات تهريب البشر، إذ يمكنها من خلالها الحصول على موردٍ ماليّ إضافي، بحسب ما أكد الناشط الحقوقي الليبي والذي يطالب المؤسسات الدولية المعنية بالهجرة بوضع حدّ لتلك الميليشيات والعصابات المدّعومة منها.
يشار إلى أن ليبيا، تحولت وجهة جديدة لتهريب البشر بعدما دأب السوريون خلال السنوات الماضية على الوصول إلى أوروبا عبر تركيا، لكن فرض تأشيراتٍ عليهم من قبل السلطات التركية والجزائرية والمغربية، منح العبور إلى إيطاليا من ليبيا أهمّية كبيرة، لاسيما وأن طرابلس لا تفرض على السوريين حيازة تأشيرات سفر وتكتفي بحصولهم على موافقةٍ أمنية كشرطٍ لدخولهم إلى البلاد.