وجاء فى مقدمة الكتاب “على تعدد تعريفات الخطاب الذى أصبح أكثر انفتاحًا على علوم شتى، ينبغي القول إن هذا التعدد لن يستقر نحو تعريف ثابت لهذا العلم الذي يميل إلى الإجراء التطبيقي، والانفتاح المنهجي أكثر من علوم ومناهج نقدية ولسانية أخرى، وهذا الكتاب لم يغرق في سرد التعريفات بقدر إغراقه ووقوفه على التجلي الحادث في ألوان الخطابات، ومداخل تحليلها، بغية إثبات صلاحية العديد من الإجراءات انفتاحًا وحداثة، تأويلا وتفسيرا للدخول تحت إجراءات منهج تحليل الخطاب، مع قدرته نفسه على الدخول لميدان خطابات متباينة ومتعددة”.
وأضاف المؤلف “هذا الخطاب مسافر منذ البدء بكل تجلياته وصروفه ومؤسساته وأشكاله، يحمل في طياته أنساقا مضمرة نجحت في التغيير، وربما في الانتصار، وربما في أغراض أخرى، ويُقصد بالنسق الطريقة أو النظام المتبع داخل بناء النصوص، وهو بعد مضموني يحتمل جانبين؛ ظاهر ومضمر والخوف من الأنساق المضمرة والخطيرة وهي الحالة الدائرة في كل مكان، ويظهر داخل بنية النصوص أو الخطابات، ولا تفترق الخطابات القديمة أو التراثية عن الحديثة والمعاصرة في تحملها لهذا النسق المضمر”.
وقد اهتم الكتاب بتتبع حالات هذا النسق داخل النصوص القصصية بخاصة باعتبار أن بنية القص من أقوى الخطابات تأثيرًا وجذبًا، ومعاودة النظر في الكثير من السرديات العربية والمتمثلة في الأنواع القصصية في العصر الجاهلي، مثل أيام العرب (حرب البسوس)، وأحاديث الهوى المتجردة والمنخل اليشكري والقصص المقتبسة من الأمم الأخرى، وقصص الملوك والأساطير والنوادر، والقص على ألسنة الحيوانات، والقصص الأسطوري والخرافي والواقعي، وقصة الأمثال؛ حيث تتكشف لنا الطبيعة المزدوجة للسرد الذي يبدو أحيانًا بستانًا للحكمة، وعلى ناحية أخرى يمارس السلوك الخادع في السيطرة وفرض سلوك الاستحواذ.
وجاء الفصلان (الأول والثاني) من الكتاب أكثر تخففًا في البناء البحثي الأكاديمي، وكان التزام القراءة الثقافية مدخلا مهما في الوصول للنتائج، أدناها لفت الأنظار إلى وجوب معاودة قراءة التراث في ضوء المناهج النقدية الحديثة، مع وضع مخرجات هذا التراث في صورة منضبطة ودراسة عادلة تقف على الجيد وترد غير الجيد؛ أي قراءة متسلحة بالرؤية العادلة لا الانتقاصية أو المتعالية.
أما بقية فصول الكتاب فقد اهتمت بقراءة التراث في ضوء ما أسميناه بالخزائن السردية، التي يُقصد بها المتون السردية الكبرى في التراث العربي، والتي تشفعت في بنيتها بالعديد من الأنواع الأدبية والاقتباس المنفتح على العديد من المصادر، وقد جرى التمثيل على ذلك بكتاب أدب الدنيا والدين للماوردي. أما وقوف الكتاب على تجارب بعض المبدعين الذين أفادوا من التراث، فالظن أنه ليست هناك حدود للإفادة اقتباسا وتمثلًا واستلهاما وتناصًا في حدود الحفاظ على هيكل القديم وعدم ذوبانه في المنتج الحديث.
المصدر : اليوم السابع