افتتح القراءات الشاعر جمال الملا بقصيدة عالية بليغة في مدح المصطفى عليه الصلاة والسلام، جاء فيها:
يا ابن الذبيحين يا من في تقلبه
في الساجدين أضاء المنتهى مددا
صلبا فصلبا كريما كان منتقلا
حتى تجلى قريشيا بذات ندى
وأي أم نبي مثل آمنة
وقد ترائت قصور الروم إذ ولدا
ثم قرأ نصا محتشدا بالأسئلة الوجودية التي تسعى الروح من خلالها إلى العبور من عتمة التغرب نحو النور، في لغة جزلة، و سهلة ممتنعة، تستلهم لغة و قصص التراث، و يحضر فيها الرمز عبر شخصيات تخذها الشاعر أقنعة للتعبير عن نفسه من خلالها، يقول:
أنا الذي غاب حد المحو منخلعا
وعاد من حضرة الإطلاق ممسوسا
وعاد يركض ما بين القرى وجلا
يهدي النهار كتابا ما وفانوسا
وعاد يطفئ أشكالا محنطة
مآذنا.. مذبحا .. برجا وناقوسا
تلاه الشاعر مضر الألوسي الذي بادر بتحية الشارقة بقصيدة رشيقة اللغة، مبتكرة التصاوير، أطربت الحاضرين الذين أصروا عليه ليعيدها على أسماعهم يقول فيها:
على البابِ تلميذةٌ طارقةْ
مدارسُ في عينها غارقةْ
فتحتُ لها فاستحالت وسالتْ
و قالت أنا اللحظةُ الفارقةْ
وكلُّ الحسانِ التي قد رأت
عيونيَ من حُسنها سارقةْ
فأصبحتُ تلميذها وهي تُلقي محاضرةَ السدرةِ الوارقةْ
فقلتُ لها فاقَ وعيي جمالُك
ما اسمكُ؟ قالتْ أنا الشارقةْ
ثم قدم عدة قصائد تعزف على وتر الذاكرة، و تشف عن رسوخ فكرة الهوية والانتماء لدى الشاعر، و تعكس تجربته مع الشعر و الحب و الحياة، كما تُبرز تمكنه من لغته و عمق تجربته الشعرية من خلال الاشتغال الفني و اللغوي المكثف، و القيم الإبداعية و الجمالية في النصوص. منها:
وطن وجوع وانتظارُ
الموت في وطني اختیارُ
أجلت موتي للجميع
وما تعطلت العشارُ
وبقيت وحدي في الطريق
تلم آثاري القفارُ
مذ كنت طفلاً علقوا
وطناً على كتفي وساروا
تلته الشاعرة إيمان عبدالهادي التي قدمت نصوصا، عالية الشفافية، و الحبك على المستويين الفني و اللغوي، تشي بالاشتغال المكثف على التجربة الشعرية، و التمكن اللافت من الأدوات الفنية، و تمحورت مواضيعها حول تشظيات الذات و تساؤلات الغربة، بينما علا صوت الوطن/ الأم التي سرقت أبناءها المنافي من خلال السطور، تقول في قصيدتها “نزهة المشتاق” التي دونت تشظيات الذات الشاعرة وهي تقف أمام أبواب الأربعين، تقول:
أمامَ الأربعينَ رأيتُ عُمري
يسيلُ على ( الفَوَاتِ) ولا يَسيلُ
يُميِّعُهُ المُضيُّ بلا جهاتٍ…
ويعصمُهُ الوُقُوفُ المُستحيلُ
وتُربِكُهُ كطِفلٍ نرجسيٍّ
رؤاهُ، وطبعُهُ النَّزِقُ العَجولُ
كما قرأت قصيدتها بعنوان ” سمرقند”، جاء فيها :
وأنا أبصركِ الآن تماماً
وأنا أبصركِ الآن مرارا
مِلءَ عينينِ، كأنّي في الرّما
دِ الرّخوِ قد آنستُ نارا
فانظري إن كانَ في نجمكِ، أعـ
ــني: ثقبَكِ الأسودَ ما يكفي الحيارى
تلاها الشاعر نادي حافظ الذي تضمنت قصائده في تجلياتها بُعداً فلسفيا عميقا فكرة و معنى، يشف عن تغرب الذات عن واقعها، و صراعها الوجودي المضني مع الغربة ، فشدا للحب والوطن بفلسفة عاشق يتسرب النيل بين سطوره ساقيا أخيلته ثراء المعاني و الصور…، يقول في قصيدته ” صلاة ناقصة” :
فِي حُبِنَا تَجِـدُ الخُرَافَـةُ شَكْلَهَـا
وتَحِـنُّ فَلْسَفـةٌ إِلَـى الهَـذَيَـانِ
مَـا بَيـنَ قَلْبَينَـا بِـلادٌ شُيّـدتْ
مِـنْ فِتْنَـةِ التّفّـاحِ بِالـرُّمّـانِ
مِـنْ أيِّ قَافِيَـةٍ سَأبـدَأُ مَوْجَتِـي
وبَـأيِّ هَاوِيـةٍ سَيَصْعَـدُ شَانِـي
و يقول في قصيدته ” مئذنة بتول” :
لي فيكِ سنبلةُ الرؤى
تعبَتْ تخزّنها الفصولُ
ولي الغرامُ إذا مشى
في الأرض موّالٌ يسيلُ
ولي اشتعالُ غمامتينِ
سقاهما بِالشِّعْرِ نيلُ
وفي الختام كرَّم محمد القصير الشعراء، ومقدم الأمسية بحضور مدير الجامعة القاسمية ومدير بيت الشعر.
المصدر : اليوم السابع