لم يكن سيد درويش مجرد ملحن بالمعنى التقليدى، بل باعث ومجدد ومؤسس للموسيقى العربية، والذى صنع طابعا مصريا شعبيا من الموسيقى وجعلها لغة للشارع ومعبرة عن حال المصريين، بعدما كانت الموسيقى فن السرايا والنخبة وذات طابع تركى تصاحبه الجمل والمقامات اللحنية الواحدة، كما أنه أضاف إليها إضافات وعمق بعيدا عن الارتجال والتطريب الذى ساد الألحان من قبله، فاستطاع فصل الموسيقى العربية عن القالب التركى، وأبرز الملامح المستقلة فى الموسيقى العربية، وحولها إلى مقامات وجملا إلزامية، ما جعل الملحن يأتى فى المرتبة الأولى بعدما ظل مهمشا خلف المطرب أو المؤدى.
واستطاع سيد درويش أن يكون المعبر الأول عن الناس والشارع المصرى، الحب وأحلام الاستقلال وبواعث الحركة الوطنية، كلها عبر عنها ببساطة وأصالة معا جعله فنان الشعب الأول، نحت درويش بألحانه صوراً ومشاعر، كأنه يحكى بموسيقاه قصصاً، وهو ما أنتج الحوار الغنائى الذى يعتقد أنه أدخل الموسيقى العربية مع ديالوج “على قد الليل ما يطول”، قبل أن يدخل المونولوج على الموسيقى العربية من خلال طقطوقة “والله تستاهل يا قلبي”، وكان أول من أدخل في الموسيقى العربية الغناء والألحان المتعددة “البوليفونية” من خلال أوبريت العشرة الطيبة وأوبريت شهرزاد والبروكة.
في كتابه “سيد درويش والموسيقى العربية الجديدة” وصف الكاتب الأمريكي إدوارد لويس، سيد درويش بأنه كان غريباً، ومتطرفا كالعصر الذي ولد فيه والشعب الذي انبثق عنه، ويعتبر سيرة حياته، وظروفه، وما أنجزه للموسيقى العربية بمثابة معجزة، تليق بعصره وشعبه، ويتحدث الكاتب الأمريكي كيف كان لدرويش طريقة في اكتشاف موسيقى بلاده روحًا جديدة، مكنتها من أن تصبح أداة فعالة للتعبير عما يشعر به الإنسان من عواطف وانفعالات.
وقد ربط بذكاء بين الإنجاز العملاق الذي قام به درويش خلال عمره القصير، وظاهرة أخرى تتعلق بمصطفى كامل الذي قاد في فترة سابقة بقليل حزبا سياسيا، وهو في الثامنة عشرة من عمره، وسافر إلى فرنسا لطرح قضية بلاده. وهو الآخر مات مبكرا في الرابعة والثلاثين. كما ربط هذا وذاك بالانقلاب الجريء الذي أحدثه قبل ذلك الشيخ محمد عبده على صعيد الفكر الديني، ليعطينا لمحة عن طبيعة الحقبة التي نشأ فيها درويش.
المصدر : اليوم السابع