شهد سيد درويش بوادر الثورة المصرية فى عام 1919، واستطاع فى تلك الفترة أن يكون لسان حال الثوار، ومغذى روح النضال والمقاومة الشعبية ليصنع حماسة فى نفوس المصريين لمواصلة الثورة ضد الاحتلال، والمطالبة بعودة زعيمه سعد زغلول ورفاقه من المنفى.
لم يكتفى درويش بالغناء داخل الكازينوهات فقط، بل تصدر المسيرات، مع رفيقه بديع خيرى المظاهرات، يهتف بصوته الشعب عن الاستقلال التام للبلاد، فجاءت أغنياته كهتافات سياسية أطلقها المواطنون في الشارع فور تلحينها، فلعبت دور الضمير الوطني الذي يحرك الشارع المصري في ذلك الوقت.
ولعل سيد درويش كان مواكبا لكل أحداث الثورة بأعماله، فعندما تم نفى الزعيم سعد زغلول قدم سيد درويش مع بديع خيري أغنية للمطالبة بعودته من المنفى، كما اقتبس سيد درويش من أقوال الزعيم مصطفى كامل بعض عباراته، وجعل منها مطلعا للنشيد الوطني بلادي بلادي وهو النشيد الذى أطلقه درويش فى غمار الثورة ورصاص الإنجليز يطارد الثوار، وكثيرا ما تغنى به المصريون فى الثورة.
ويذكر الكاتب عبده الزراع، في كتابه “وجوه مضيئة في الأدب والفن”، أنه عندنا اندلعت ثورة 19 ضد الاحتلال البريطاني، من أجل الاستقلال، كان الشيخ سيد درويش يتصدر الجماهير في قلب المسيرات والمظاهرات، يقف مرفوع الصدر داخل العربة الحنطور، وبجواره بديع خيري، وهو يهتف بصوته الجهوري، بحياة الوطن والشعب والاستقلال التام أو الموت الزؤام، فيلهب حماس الجماهير، وكانت أغاني الشيخ سيد بمثابة منشور سياسي يغنيها الناس فور انتهائه من تلحينها، فكان بمثابة صحوة الضمير الوطني الذي يحرك الشارع المصري آنذاك.
لم تكن أغاني سيد درويش الوطنية مقتصرة على رسائل سياسية مباشرة فقط، قدم درويش مع بديع خيري بعد نفي سعد زغلول أغنية للمطالبة بعودته وهي أغنية “زغلول يا بلح يا بلح زغلول، يا روح بلادك ليه طال بعادك”، كما اقتبس درويش من أقوال الزعيم مصطفى كامل عبارات استخدمها في صياغة النشيد الوطني المصري الحالي “بلادي بلادي لكي حبي وفؤادي”، وهو النشيد الذي أطلقه فى خضم الثورة، وكثيرا ما تغنى به المصريون في مناسباتهم الوطنية.
لحن بلادي بلادي لم يأتي وليد الصدفة، حيث تروى الناقدة الموسيقية الدكتورة ياسمين فراج في كتابها “الغناء والسياسة في تاريخ مصر”، أن لحن نشيد “بلادي بلادي” والذي أصبح فيما بعد النشيد الوطني لجمهورية مصر العربية، وضعه سيد درويش في سبتمبر عام 1923، وقام بتحفيظه لطلبة المعهد العباسي لاستقبال الزعيم سعد زغلول من المنفى، ولكنه توفى قبل أن يتم مراده بيومين فقط، وقُدم النشيد لأول مرة في 17 سبتمبر من العام نفسه (1923)، أمام سعد زغلول دون وجود ملحنه.
المصدر : اليوم السابع