حرب أكتوبر 1973 ملحمة العبور وتحطيم أسطورة “الجيش الذي لا يُقهر”

إسلام جمال27 أكتوبر 20252 مشاهدة
حرب أكتوبر 1973 ملحمة العبور وتحطيم أسطورة “الجيش الذي لا يُقهر”

حرب أكتوبر المجيدة (1973)، أو حرب العاشر من رمضان، نقطة تحول مفصلية في التاريخ الحديث للشرق الأوسط، بل وفي الفكر العسكري العالمي ككل. هي اللحظة التي استعادت فيها الأمة العربية كرامتها، وأثبتت القوات المسلحة المصرية والسورية قدرتها على قهر المستحيل. إذا كنت تبحث عن تقرير كامل ومفصل عن حرب أكتوبر 1973 يغوص في أعماق التخطيط، عمليات الخداع الاستراتيجي، تفاصيل العبور العظيم، مراحل القتال، والنتائج السياسية والاقتصادية والعسكرية التي غيرت خريطة المنطقة، فهذا هو الدليل الأكثر شمولاً وتفصيلاً.

لقد مضى نصف قرن على الحرب التي حطمت أسطورة “الجيش الإسرائيلي الذي لا يُقهر”، ولكن ذكراها تبقى خالدة كرمز للإرادة والتضحية. نستعرض هنا تفاصيل الملحمة التي أُطلق عليها في الغرب اسم “حرب يوم الغفران”، لنكشف عن عبقرية الجندي العربي وقوة القرار السياسي.


 

الفصل الأول: ما قبل العاصفة (جذور الحرب والتحضير الاستراتيجي)

 

 

1.1 خلفية الصراع وميراث النكسة (1967)

 

نشأت حرب أكتوبر كنتيجة مباشرة لعدوان عام 1967 (النكسة)، الذي احتلت فيه إسرائيل شبه جزيرة سيناء المصرية بالكامل، وهضبة الجولان السورية. هذا الاحتلال فرض حالة “اللا حرب واللا سلم”، وعاش الشعبان المصري والسوري في ظل تحدٍ وجودي لاسترداد الأرض.

  • حرب الاستنزاف (1967-1970): كانت مرحلة تحضيرية مهمة، حيث أعادت القوات المصرية بناء قدراتها، ونجحت في تكبيد العدو خسائر كبيرة، مما أدى إلى استنزاف روحه القتالية وكبريائه العسكري.
  • عامل الإحباط الدولي: فشلت جميع الجهود الدبلوماسية والمبادرات السياسية، التي قادها الرئيس الراحل محمد أنور السادات (بطل الحرب والسلام)، في إقناع إسرائيل بالانسحاب من الأراضي المحتلة، مما جعل الخيار العسكري هو الطريق الوحيد المتبقي.

 

1.2 قرار الحرب وخطة الخداع الاستراتيجي

 

كان قرار الحرب في غاية التعقيد بسبب التحديات العسكرية الهائلة، وعلى رأسها:

  • خط بارليف: الساتر الترابي الضخم الذي أقامته إسرائيل على طول الضفة الشرقية لقناة السويس، مدعومًا بتحصينات ونقاط قوية وموانع نيرانية، واعتبرته إسرائيل “الخط المنيع” الذي يستحيل اختراقه.
  • التفوق الجوي الإسرائيلي: اعتماد إسرائيل على قوتها الجوية الهائلة التي كانت تمتلكها بدعم أمريكي.

خطة الخداع الاستراتيجي: كانت مفتاح النجاح. اعتمدت القيادتان المصرية والسورية على:

  • التوقيت: اختيار يوم 6 أكتوبر 1973 الموافق ليوم عيد الغفران اليهودي (يوم كيبور)، حيث تكون القوات الإسرائيلية في حالة استرخاء وعطلة.
  • المناورات الوهمية: إجراء مناورات عسكرية ضخمة بشكل دوري، حتى اعتاد عليها العدو ولم يعد يوليها اهتماماً.
  • طرد الخبراء السوفييت: كان قرار السادات بإبعاد الخبراء الروس عام 1972 إشارة للغرب وإسرائيل بأن مصر غير قادرة على شن حرب بمفردها، مما زاد من حالة “الاسترخاء” الإسرائيلي.
  • الجبهتان: التنسيق الكامل والسرية المطلقة بين مصر وسوريا للهجوم المتزامن (في الساعة 2:00 ظهرًا)، ما أدى إلى تشتيت القوات الإسرائيلية وعدم قدرتها على التركيز في جبهة واحدة.

 

الفصل الثاني: ساعة الصفر وعبقرية العبور (6-10 أكتوبر)

 

 

2.1 العملية “بدر” والمرحلة الأولى على الجبهة المصرية

 

في الساعة 14:00 (الثانية بعد الظهر) يوم 6 أكتوبر، بدأت العملية “بدر” بـ:

  • القصف الجوي والمدفعي: شاركت 220 طائرة مقاتلة مصرية في ضربة جوية استهدفت مراكز القيادة والسيطرة الإسرائيلية، وحقول الصواريخ “هوك”، والمطارات الأمامية. تبع ذلك قصف مدفعي كثيف على خط بارليف.
  • عملية العبور: بدأ 4000 مقاتل من المشاة المترجلة في عبور قناة السويس في قوارب مطاطية صغيرة، في تحدٍ للمانع المائي والموانع النيرانية.

عبقرية تحطيم خط بارليف (الخرطوم المائية):

أهم إنجاز هندسي مصري كان استخدام مضخات المياه القوية لفتح ثغرات في الساتر الترابي الضخم (بارتفاع 18-20 متراً). نجح المهندسون العسكريون في فتح 81 ثغرة خلال ساعات قليلة، مما سمح بعبور الدبابات والمعدات الثقيلة وإنشاء رؤوس جسور على الضفة الشرقية.

 

2.2 الهجوم السوري على الجولان (حرب تشرين التحريرية)

 

في نفس اللحظة، شنت القوات السورية هجوماً كاسحاً على هضبة الجولان المحتلة، مستخدمة:

  • المدرعات: توغلت القوات السورية بشكل سريع في عمق الجولان، وحطمت التحصينات الإسرائيلية في “خط آلون”.
  • صواريخ سام: نجح نظام الدفاع الجوي السوري والمصري المتكامل في إنشاء “مظلة حماية” فوق الجبهتين، مما شل فاعلية سلاح الجو الإسرائيلي في الأيام الأولى، وأفقده التفوق المطلق الذي اعتاد عليه.

 

2.3 صمود رؤوس الجسور والمواجهات المدرعة

 

  • 7-9 أكتوبر: نجحت القوات المصرية في توسيع رؤوس جسورها لمسافة 10-15 كم شرق القناة. فشلت جميع الهجمات المضادة الإسرائيلية، التي شنتها احتياطياتهم المدرعة، في اختراق الدفاعات المصرية. فقد تمكنت وحدات المشاة المصرية المجهزة بصواريخ “ماليوتكا” و “آر بي جي” من تدمير أعداد هائلة من الدبابات الإسرائيلية.
  • الحصار البحري: نفذت القوات البحرية المصرية عملية نوعية بإغلاق مضيق باب المندب في البحر الأحمر، مما أوقف الملاحة الإسرائيلية تماماً عبر هذا الممر الحيوي.

 

الفصل الثالث: منعطفات الحرب والتدخل الدولي (11-24 أكتوبر)

 

 

3.1 التدخل الأمريكي والجسر الجوي

 

بدأ الموقف يتغير تدريجياً بعد 10 أكتوبر بسبب الضغط العسكري والسياسي:

  • التفوق الجوي الإسرائيلي يعود: بعد خسائر كبيرة في الطائرات، بدأت إسرائيل تستعيد بعض التفوق الجوي بعد إزاحة بعض مواقع صواريخ سام المصرية.
  • الجسر الجوي الأمريكي: تدخلت الولايات المتحدة بشكل مباشر لإنقاذ إسرائيل عبر إنشاء جسر جوي ضخم (عملية “نيكل جراس”) لتزويدها بالدبابات والطائرات والمعدات الحديثة فوراً، مما عوّض خسائرها.

 

3.2 الثغرة (الدفرسوار)

 

في منتصف أكتوبر، تمكنت قوات إسرائيلية بقيادة الجنرال آرييل شارون من استغلال ثغرة بين مواقع الجيشين الثاني والثالث المصريين في منطقة الدفرسوار غرب قناة السويس.

  • هدف الثغرة: قطع خطوط إمداد الجيش الثالث الميداني، والتأثير على الضفة الغربية للقناة.
  • نتائج الثغرة: رغم أن الثغرة سببت حصارًا جزئيًا للجيش الثالث، إلا أنها لم تنجح في تحقيق أهدافها الاستراتيجية: تدمير الجيش الثالث أو احتلال مدينة السويس. صمود مدينة السويس الباسل أمام الهجمات الإسرائيلية أوقف تقدمهم، بينما استمر الجيش الثالث في الصمود شرق القناة.

 

3.3 وقف إطلاق النار وقرار مجلس الأمن

 

  • قرار 338: تدخل مجلس الأمن الدولي لوقف القتال تحت ضغط القوى الكبرى. صدر القرار رقم 338 بتاريخ 22 أكتوبر، والذي طالب جميع الأطراف بوقف فوري لإطلاق النار والبدء في مفاوضات السلام.
  • استمرار المناوشات: استمرت الاشتباكات بعد القرار، ونجحت مصر في الصمود بوضعها الجديد شرق وغرب القناة، مما مهد لمفاوضات على أساس توازن قوى جديد.

 

الفصل الرابع: النتائج الاستراتيجية والتداعيات العالمية

 

 

4.1 النتائج العسكرية والسياسية المباشرة

 

المجالالأثر والتغيير
تحطيم الأسطورةانهيار عقيدة الأمن الإسرائيلي وأسطورة “الجيش الذي لا يُقهر”، واستعادة المقاتل العربي لثقته وكرامته.
العبور العظيمنجاح القوات المصرية في عبور قناة السويس وتدمير خط بارليف، وهو إنجاز غير مسبوق في التاريخ العسكري.
استرداد الأرضتمهيد الطريق للانسحاب الإسرائيلي من سيناء، عبر مفاوضات فض الاشتباك ثم اتفاقية كامب ديفيد، وانسحاب إسرائيل بالكامل من سيناء عام 1982.
تغيير المفاهيم العسكريةتوقفت المعاهد العسكرية الدولية لدراسة تكتيكات الحرب الجديدة (كالصواريخ المضادة للطائرات والدبابات).

 

4.2 الدور العربي والتأثير الاقتصادي (سلاح النفط)

 

  • التضامن العربي: شهدت الحرب أعلى مستويات التضامن العربي، حيث شاركت دول مثل العراق، المغرب، الجزائر، والكويت بقوات عسكرية.
  • سلاح النفط: كان القرار التاريخي بقطع أو تقليل إمدادات النفط العربي إلى الولايات المتحدة والدول الداعمة لإسرائيل هو أبرز سلاح اقتصادي. تسبب هذا القرار في أزمة طاقة عالمية غير مسبوقة، وأجبر القوى الكبرى على الانخراط بجدية في عملية السلام. (مقولة الشيخ زايد آل نهيان: “النفط العربي ليس أغلى من الدم العربي” ظلت خالدة).

 

4.3 تداعيات عالمية وإقليمية

 

  • تحول ميزان القوى: أثبتت الحرب أن الحل العسكري لا يمكن أن يكون الحل الوحيد للصراع، وأن القوة العربية قادرة على فرض توازن جديد.
  • عملية السلام: أجبرت الحرب الطرفين على الجلوس إلى طاولة المفاوضات. كانت أولى ثمارها اتفاقية فض الاشتباك في 31 مايو 1974، والتي بموجبها وافقت إسرائيل على إعادة مدينة القنيطرة لسوريا، وضفة قناة السويس الشرقية لمصر.

 

النصر الذي شكل المستقبل

 

تظل حرب السادس من أكتوبر 1973 ملحمة وطنية خالدة، لم تكن مجرد معركة عسكرية، بل كانت اختبارًا لإرادة الأمة وقدرتها على تحقيق العدالة. لقد كان النصر نتاجًا للتخطيط العبقري، والخداع الاستراتيجي، وبسالة الجندي المصري والسوري، والدعم العربي غير المسبوق. هذا النصر لم يغير الماضي فحسب، بل شكل مستقبل المنطقة بأكملها، ومهد الطريق لاستعادة الأرض والكرامة وتحقيق سلام قائم على القوة والتضحية.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

عاجل