اختار مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، التابع لمجلس الوزراء، الحوار الوطني، الذي دعا له الرئيس عبد الفتاح السيسي، ليكون باكورة إصدار دورية جديدة تصدر عنه تحت عنوان «قضايا مُلحة»، يجيب من خلالها مجموعة من الخبراء والمتخصصين عن تساؤلات ومقترحات مهمة، بما يسهم في إثراء النقاش حول تلك الموضوعات.
معلومات الوزراء: فرص لتطوير وتنمية الاقتصاد واحتواء التأثيرات السلبية على المواطنين
وأكد «معلومات الوزراء»، في افتتاحية العدد الأول من إصدار قضايا مُلحة، الذي حصلت «الوطن» على نسخة منه، أن الحوار الوطني ينعقد في وقت بالغ الأهمية، مع مواجهة العالم أزمة نتيجة تداعيات فيروس «كورونا»، والحرب الروسية الأوكرانية، ووجود رغبة لدى الدولة المصرية لتحويل هذه الأزمات إلى فرص لتطوير وتنمية الاقتصاد واحتواء تأثيراتها على المواطن قدر المستطاع.
وعن أولويات وأطراف الحوار الوطني، يطرح الدكتور على الدين هلال، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، في إصدارة «قضايا مُلحة» رؤيته، موضحاً أن الدعوة للحوار هي تطور ديمقراطي في أي بلد، لأن الحوار بين الفرقاء والمختلفين فكرياً وسياسياً هو النهج الديمقراطي في حل الخلافات، والوصول إلى اتفاقات وتوافقات.
على الدين هلال: الحوار ليس مناظرة.. ولكن منصة للبحث عن أرضية مشتركة
ويضيف: «الحوار ليس مناظرة، ففي المناظرة يسعى كل طرف إلى إثبات وجهة نظره، وتفنيد وجهات النظر الأخرى، أما الحوار فهو البحث عن أرضية مشتركة بين المختلفين، والسعي لتحديد القواسم التي تجمع بينهم، والبناء عليها، والاستزادة من مساحتها». ويوضح أن أولويات الحوار الوطني ينبغي أن تنبع من التحديات التي تواجهها السياسات العامة من ناحية، واحتياجات المجتمع ومطالبه العاجلة من ناحية ثانية، وأطروحات المثقفين ورجال السياسة من ناحية ثالثة.
ويشير «هلال» إلى أن موضوعات التضخم، وأولويات الإنفاق العام، وارتفاع الأسعار، وأعباء الدين العام الداخلي والخارجي، والحاجة الملحة إلى زيادة الاستثمار المباشر من القطاع الخاص الوطني والأجنبي، والدور الاقتصادي للدولة، وملكيتها للأصول الاقتصادية، ورفع إنتاجية العمل والمشروعات الاقتصادية، من أهم عناوين الحوار الوطني الاقتصادية.
ويلفت «هلال» إلى وجود موضوعات تفرض نفسها على المجال السياسي في «الحوار الوطني»، ومنها التوازن بين السلطات التنفيذية، والتشريعية، والقضائية، ومراجعة النظام الانتخابي، وتنشيط دور الأحزاب السياسية، وإصدار قانون المجالس المحلية، ودعم دور الجمعيات الأهلية والمجتمع المدني، وإصدار قوانين النقابات المهنية المعلقة، والإسراع بعمل لجنة العفو الرئاسي، وإعادة النظر في القوانين التي استدعتها الظروف الاستثنائية التي مرت بمصر بعد عام 2013، ولم تعد قائمة الآن.
قضية الزيادة السكانية واستكمال إصلاح النظام التعليمي وقانون الأحوال الشخصية على أجندة الحوار الوطني
وتابع أن أبرز الموضوعات في المجال الاجتماعي هي قضية الزيادة السكانية التي تقضى على الأخضر واليابس، واستكمال إصلاح النظام التعليمي، ومتابعة تنفيذ التأمين الصحي الشامل، وتوسيع دائرة التأمين الاجتماعي، وإصدار قانون الأحوال الشخصية، ومواجهة مظاهر العنف الأسرى، والعنف ضد المرأة.
ويؤكد أهمية مناقشة موضوع تطوير وسائل الإعلام، بما يُمكّنها من أن تكون عنصراً داعماً لتوسيع المجال العام، فضلاً عن وجود موضوعات عابرة للمجالات، مثل البطالة، وقضايا أخرى مثل ضعف الحراك الاجتماعي وجمود الهيكل الطبقي، التي عرّفها «هلال» بأنها مجمل السياسات العامة التي تؤدى إلى صعوبة انتقال الأفراد من الشريحة الاجتماعية التي ولدوا فيها إلى «شرائح عليا».
ويشير إلى أن أطراف الحوار الوطني هم الجميع ممن يقبلون بدستور 2014 كمرجعية سياسية وقانونية، ولم يرفعوا السلاح في وجه الوطن. وأكد أن الحوار المجتمعي يفتح الباب لحالة من النقاش العام حول كل القضايا والموضوعات المطروحة على الرأي العام، مشيراً إلى أهمية «حسن إدارة التوقعات»، مضيفاً: «ليس من الحكمة خلق توقعات ونتائج مبالغ فيها، حتى لا يُصاب الرأي العام بالإحباط فيما بعد».
واختتم «هلال» إفادته قائلاً: «لقد حركت الدعوة للحوار المراكز الحساسة من الجسد السياسي والاجتماعي المصري، وتزايد الاهتمام بقضايا السياسة لدى أعداد واسعة من الناس، وهذا مهم لأن (الحوار الوطني) هو المدخل والطريق إلى (الجمهورية الجديدة)».
صفي الدين خربوش: 3 مجالات رئيسية تفرض نفسها على الحوار الوطني
أما الدكتور صفىّ الدين خربوش، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، فيطرح رؤيته حول «أولويات الحوار الوطني ومرتكزات الأحزاب السياسية»، مؤكداً صعوبة اتفاق الأحزاب السياسية ذات التوجهات المتباينة على المطلوب من الحوار الوطني، ولكن هناك «حد أدنى متفق عليه» فيما يتعلق بـ 3 مجالات، أولها سمات النظام السياسي، والنظامين الانتخابي والحزبي، والقضايا الاقتصادية والاجتماعية.
ويشير إلى أن النظام السياسي المصري منبثق عن دستور 2013، وتعديلاته في عامي 2014 و2019، وهناك وجهة نظر ترى أن مصر بحاجة إلى «دستور جديد» يؤسس لعقد اجتماعي جديد، بما يمثل قطيعة كاملة مع النصوص التي تمت صياغتها إبان فترة حكم الإخوان وحلفائهم، وهناك من يتحيز للنمط الرئاسي الكامل، ومن يدافع عن النمط البرلماني، ومن يعتقد أن النمط «شبه الرئاسي»، الذي ساد الحقبة الجمهورية، باستثناء فترة قصيرة، هو النمط الأكثر ملاءمة، وبالطبع، ثمة من لا يرى حاجة إلى دستور جديد.
أهمية لمناقشة دور مجلس الشيوخ في صنع القوانين
ويلفت إلى أهمية مناقشة دور مجلس الشيوخ في صنع القوانين، وتعدد المواد التي تبحث عن المسلمات، أو الموضوعات التي لا يُعد الدستور مكاناً ملائماً لها، فضلاً عن النص على نسبة محددة للإنفاق على التعليم أو الصحة من الناتج المحلى الإجمالي، وليس من إجمالي الإنفاق العام.
ويوضح أن النظام الانتخابي والنظام الحزبي من بين المحاور المهمة في «الحوار الوطني»، حيث تم تبنِّى نظام انتخابي يجمع بين نمطي القائمة المطلقة والانتخاب الفردي في الانتخابات البرلمانية عامي 2015 و2020، وأدى ذلك لتحول النواب المنتخبين على القائمة المطلقة إلى ما يشبه «النواب المعينين»، مع اتساع مساحة الدوائر الفردية، وزيادة أعداد الناخبين في كثير منها عن الحد المناسب لهذه الدوائر.
ويشير إلى أن معظم الأحزاب السياسية لم تتمكن من المنافسة في معظم الدوائر الفردية كبيرة المساحة وكثيفة السكان، ومن ثم يقترح إثارة الحوار حول النظام الانتخابي الأكثر ملاءمة، والذي ينصف المواطن والمرشحين والأحزاب السياسية معاً، ولا يتحيز لأي من هذه الأطراف على حساب الآخر.
ويقترح «خربوش» إثارة النقاش حول قانون الأحزاب السياسية، وتمويلها، وممارستها لأنشطتها، مقترحاً تخفيف القيود المنصوص عليها لتأسيس أحزاب سياسية جديدة، لا سيما أعداد المؤسسين والحد الأدنى للمحافظات التي ينتمون إليها، مؤكداً أن التجربة أثبتت عدم جدية هذا الشرط، حيث تم ضم أعضاء من المحافظات لتحقيق شرط انتشار الحزب في المحافظات، دون أن يكون لمعظمهم أي درجة من الانتماء للأحزاب السياسية.
خربوش: الحاجة للنقاش حول تمويل الأحزاب السياسية لتتمكن من الاضطلاع بمهامها في التنشئة السياسية
ويشير «خربوش» إلى الحاجة للنقاش حول تمويل الأحزاب السياسية لتتمكن من الاضطلاع بمهامها في التنشئة السياسية، والاتصال السياسي، والمشاركة السياسية، وإعداد مرشحين محتملين لشغل المناصب السياسية على المستويين المحلى والقومي، ما يسهم في تعزيز شرعية النظام السياسي.
ويقول إن معظم الأحزاب السياسية تحولت لما يسمى «أحزاب الأشخاص»، لتعتمد على شخص في عبء الإنفاق على الحزب، ليستمر رئيساً له ما دام قادراً على الإنفاق. ويلفت إلى تجارب عدد من الدول الديمقراطية، التي وصفها بـ«العريقة»، والتي تمول الأحزاب السياسية من الموازنة العامة للدولة، بحيث يرتبط التمويل بمعايير مثل عدد المقاعد النيابية، أو الأصوات الممنوحة لهم في آخر انتخابات.
وتابع: «يتمثل الهدف النهائي من الحوار في التوصل إلى توافق حول القضايا الرئيسية، وليس القضايا الجزئية أو الفرعية، ولا يعنى التوافق السعي لإرضاء الجميع، ومن المنطقي أن تتطلع مخرجات الحوار إلى المستقبل، وألا تستنزف الوقت والجهد للنقاش حول الماضي».
ويقول الدكتور سامح فوزي، كبير الباحثين بمكتبة الإسكندرية، تحت عنوان «تهيئة المناخ لحوار وطني فعال وشامل» إن إحدى الإشكاليات المهمة التي قد تواجه الحوار الوطني، هي أن تكون أطراف الحوار حاضرة بلا رؤية أو مقترحات أو آراء، وتكون في انتظار «مقترحات حكومية»، في حين أن هدف الحوار هو أن يكون لدى الأطراف المشاركة فيه القدرة على طرح سياسات بديلة، والترويج لها، والدفاع عنها.
وتحت عنوان «آليات تنفيذ مخرجات الحوار الوطني»، يتحدث الدكتور إكرام بدر الدين، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، عن احتلال قضايا التنمية صدارة أولويات الحوار الوطني، لا سيما في ظل ما يشهده العالم من تحديات اقتصادية، نتيجة جائحة «كورونا» والحرب الروسية الأوكرانية، الأمر الذي يضع مزيداً من التحديات أمام الاقتصاد المصري.
وقال: «من الممكن أن تكون تنمية العنصر البشرى أحد المخرجات المهمة للحوار، لما للبشر من أهمية قصوى في عملية التنمية، فالإنسان هو أداة التنمية، وفى الوقت ذاته هو هدف التنمية والمستفيد منها».
عصام شيحة: العالم الخارجي يراقب بدقة وعن كثب أي شاردة وواردة عن مصر
ويتحدث عصام شيحة، رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، حول رؤية العالم لـ«الحوار الوطني»، مشيراً إلى أن العالم الخارجي يراقب بدقة وعن كثب أي شاردة وواردة تحدث في مصر. وقال: «يقدم الحوار الوطني فرصة جيدة للأطراف كافة، وخاصة المعارضة، للمشاركة في بناء الجمهورية الجديدة، كما أن القيادة السياسية تسرع الخطى بتمهيد الأرضية لمزيد من الانفتاح، والعودة لأجواء دولة طبيعية لديها طموحات كبيرة للمستقبل».