وتشير التقديرات إلى وجود أكثر من 87 حركة مسلحة في السودان 84 منها في منطقة دارفور وحدها.
ويرى مراقبون أن تكاثر الحركات المسلحة هو نتاج لسياسات قديمة اتبعها نظام الإخوان الذي أطاحت به ثورة شعبية في أبريل 2019 وذلك عبر اختراق الحركات الرئيسية وتأجيج الصراعات والنزعات الانفصالية داخلها حتى يسهل احتوائها.
وفي هذا السياق، يقول الصحفي صديق محيسي لموقع “سكاي نيوز عربية” إن انتهاج أسلوب الترضيات وتقسيم المناصب شجع الكثيرين إما على الانفصال من كياناتهم الأصلية لتكوين فصائل جديدة أو بناء حركات مستقلة ليست ذات وجود كبير على الأرض، لكنها تشكل في الجانب الآخر تهديدا أمنيا وتعيق أي جهود لحل نهائي لأزمة الحرب.
ويوضح محيسي أن معظم الحركات المسلحة لا تحمل رؤية منهجية محددة لكنها تستغل غياب هيبة الدولة لفرض واقع القوة في مناطق محددة خصوصا في ظل انتشار أكثر من مليوني قطعة سلاح في منطقة دارفور وحدها.
ويشير محيسي إلى أن النهج الحكومي القائم على إيجاد حلول سطحية لا تخاطب القضايا الأساسية في مناطق النزاعات هو السبب المباشر الذي يغذي مشكلة تكاثر الحركات المسلحة.
لكن العميد مبارك بخيت مسئول الترتيبات الأمنية في مسار دارفور؛ المضمن في اتفاقية السلام الموقعة في جوبا في نهاية 2020؛ شكك في تلك الأرقام؛ وقال لموقع” سكاي نيوز عربية” إن هنالك وجود لعدد من القيادات المنفصلة عن حركاتها الأصلية لكنها لا تملك قوة كبيرة على الأرض؛ مشيرا إلى أن المشكلة الأكبر تكمن في الانتشار للواسع للسلاح في أوساط السكان.
ورأى بخيت أن النظام السابق استخدم سياسة تشظية الحركات حتى يسهل ضربها مما أدى إلى نشوء حركات صغيرة لكنها ليست ذات تأثير أكبر.
وأوضح بخيت أن العمل يجري حاليا على تنفيذ بند الترتيبات الأمنية على الأرض رغم الصعوبات المرتبطة بالواقع السياسي الحالي.
وعلى الرغم من توقيعاتفاق السلام السوداني في جوبا عاصمة دولة جنوب السودان، إلا أن الأوضاع في دارفور لا تزال تشهد اضطراب أمني كبير وهشاشة واضحة ظهرت ملامحها بقوة في الأحداث التي اندلعت في ولايتي غرب وجنوب دارفور خلال الأشهر العشرة الأخيرة والتي أدت إلى مقتل وإصابة أكثر من 5 آلاف من المدنيين العزل بينهم نساء وأطفال.
ويتساءل الكثيرين عما إذا كانت المشكلة تعود في الأصل إلى خلل في الاتفاق والترتيبات الأمنية أم الفراغ الأمني الذي صاحب بدء خروج البعثة المشتركة للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي (اليوناميد) في نهاية ديسمبر 2020؛ أم أن الأمر يتعلق بالخلافات القبلية المتأصلة والتي لم يخاطبها اتفاق السلام الموقع في جوبا عاصمة دولة جنوب السودان في أكتوبر 2020.
ويرى محيسي أن المشكلة تكمن في اتفاق السلام نفسه والذي لم يراعي التناقضات العديدة الموجودة على الأرض، وركز بشكل كبير على تقسيم السلطة؛ بحسب تعبيره.
ويضيف محيسي أن ثقافة الإفلات من العقاب وتأخر تسليم المتهمين بارتكاب جرائم حرب أسهمت في تأجيج المشاعر واستمرار الصراعات القبلية مما أدى إلى نشوء المزيد من الحركات المسلحة. كما يشير محيسي إلى أن وجود أكثر من جيش واحد في البلاد أسهم بشكل مباشر في تغذية نمط تشكيل حركات مسلحة وإن كانت صغيرة الحجم.
ومنذ توقيع اتفاق السلام بين الحكومة السودانية والحركات المسلحة في جوبا؛ ظلت مسالة دمج قوات الحركات المسلحة والقوات الأخرى؛ مسار جدل مستمر.
ووفقا لمراقبين، تأخر تنفيذ بنود الترتيبات الأمنية والبحث عن الامتيازات والمناصب جعل من مناطق مثل دارفور أرضا خصبة لتوالد المزيد من الحركات مما يهدد بنسف العملية السلمية ويعيد البلاد إلى مربع الحرب من جديد؛ غير أن مسؤول ملف الترتيبات الأمنية يؤكد على أن جهود مكثفة تجري حاليا لإنقاذ الترتيبات الأمنية رغم المصاعب المالية واللوجستية.
وفي الجانب الآخر، قال خبير عسكري فضل عدم الكشف عن اسمه إن أكبر مهدد لتماسك البلاد هو وجود قوات موازية للجيش؛ موضحا أن الإبقاء على قوات خارج مظلة الجيش يشكل خطأ استراتيجيا إذ سيشجع على الاستقطاب القبلي والإثني وسيؤسس لوجود العشرات من المليشيات المشابهة.